فأين هذا الهدي من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير ويضع عليها المنديل ولا يمشي على الحصير ولا على البساط بل يمشي عليها نقرا كالعصفور
فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود لأنتم أهدى من أصحاب محمد أو أنتم على شعبة ضلالة
وقد صلى النبي على حصير قد اسود من طول ما لبس فنضح له بالماء وصلى عليه ولم يفرش له فوقه سجادة ولا منديل وكان يسجد على التراب تارة وعلى الحصى تارة وفي الطين تارة حتى يرى أثره على جبهته وأنفه
وقال ابن عمر كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك رواه البخاري ولم يقل وتبول وهو عند أبي داود بإسناد صحيح بهذه الزيادة
فصل
ومن ذلك أن الناس في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا يأتون المساجد حفاة في الطين وغيره قال يحيى بن وثاب قلت لابن عباس الرجل يتوضأ يخرج إلى المسجد حافيا قال لا بأس به وقال كميل بن زياد رأيت عليا رضي الله عنه يخوض طين المطر ثم دخل السمجد فصلى ولم يغسل رجليه
وقال إبراهيم النخعي كانوا يخوضون الماء والطين إلى المسجد فيصلون وقال يحيى بن وثاب كانوا يمشون في ماء المطر وينتضح عليهم رواها سعيد بن منصور في سننه
وقال ابن المنذر وطىء ابن عمر بمنى وهو حاف في ماء وطين ثم صلى ولم يتوضأ
قال وممن رأى ذلك علقمة والأسود وعبدالله بن مغفل وسعيد بن المسيب والشعبي والإمام أحمد وأبو حنيفة ومالك وأحد الوجهين للشافعية
قال وهو قول عامة أهل العلم ولأن تنجيسها فيه مشقة عظيمة منتفية بالشرع كما في أطعمة الكفار وثيابهم وثياب الفساق شربة المسكر وغيرهم
قال أبو البركات ابن تيمية وهذا كله يقوي طهارة الأرض بالجفاف لأن الإنسان في العادة لا يزال يشاهد النجاسات في بقعة بقعة من طرقاته التي يكثر فيها تردده إلى سوقه ومسجده وغيرهما فلو لم تطهر إذا أذهب الجفاف أثرها للزمه تجنب ما يشاهده من بقاع النجاسة بعد ذهاب أثرها ولما جاز له التحفي بعد ذلك
وقد علم أن السلف الصالح لم يحترزوا من ذلك ويعضده أمره عليه الصلاة والسلام بمسح النعلين بالأرض لمن أتى المسجد ورأى فيهما خبثا ولو تنجست الأرض بذلك نجاسة لا تطهر بالجفاف لأمر بصيانة طريق المسجد عن ذلك لأنه يسلكه الحافي وغيره
قلت وهذا اختيار شيخنا رحمه الله وقال أبو قلابة جفاف الأرض طهورها
فصل
ومن ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن المذي فأمر بالوضوء منه فقال كيف ترى بما أصاب ثوبي منه قال تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصابه رواه أحمد والترمذي والنسائي فجوز نضح ما أصابه المذي كما أمر بنضح بول الغلام
قال شيخنا وهذا هو الصواب لأن هذه نجاسة يشق الاحتزاز منها لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزب فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام ومن أسفل الخف والحذاء
فصل
ومن ذلك إجماع المسلمين على ما سنه لهم النبي من جواز الاستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف مع أن المحل يعرق فينضح على الثوب ولم يأمر بغسله
ومن ذلك أنه يعفي عن يسير أرواث البغال والحمير والسباع في إحدى الروايتين عن أحمد اختارها شيخنا لمشقة الاحتراز
قال الوليد بن مسلم قلت للأوزاعي فأبوال الدواب مما لا يؤكل لحمه كالبغل والحمار والفرس فقال قد كانوا يبتلون بذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد ولا ثوب
ومن ذلك نص أحمد على أن الودي يعفى عن يسيره كالمذي وكذلك يعفى عن يسير القىء نص عليه أحمد
وقال شيخنا لا يجب غسل الثوب ولا الجسد من المدة والقيح والصديد قال ولم يقم دليل على نجاسته
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه طاهر حكاه أبو البركات
وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا ينصرف منه من الصلاة وينصرف من الدم وعن الحسن نحوه
وسئل أبو مجلز عن القيح يصيب البدن والثوب فقال ليس بشيء إنما ذكر الله الدم ولم يذكر القيح
وقال إسحاق بن راهويه كل ما كان سوى الدم فهو عندي مثل العرق المنتن وشبهه ولا يوجب وضوءا
وسئل أحمد رحمه الله الدم والقيح عندك سواء فقال لا الدم لم يختلف الناس فيه والقيح قد اختلف الناس فيه وقال مرة القيح والصديد والمدة عندي أسهل من الدم
¥