ومن ذلك ما قاله أبو حنيفة أنه لو وقع بعر الفأر في حنطة فطحنت أو في دهن مائع جاز أكله ما لم يتغير لأنه لا يمكن صونه عنه قال فلو وقع في الماء نجسه وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى جواز أكل الحنطة التي أصابها بول الحمير عند الدياس من غير غسل قال لأن السلف لم يحترزوا من ذلك
وقالت عائشة رضي الله عنهما كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر وقد أباح الله عز وجل صيد الكلب وأطلق ولم يأمر بغسل موضع فمه من الصيد ومعضه ولا تقويره ولا أمر به رسوله ولا أفتى به أحد من الصحابة
ومن ذلك ما أفتى به عبدالله بن عمر وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وطاوس وسالم ومجاهد والشعبي وابراهيم النخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والأوزاعي ومالك واسحق بن راهويه وأبو ثور والإمام أحمد في أصح الروايتين وغيرهم أن الرجل إذا رأى على بدنه أو ثوبه نجاسة بعد الصلاة لم يكن عالما بها أو كان يعلمها لكنه نسيها أو لم ينسها لكنه عجز عن إزالتها أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه
فصل
ومن ذلك أن النبي يصلي وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها متفق عليه ولأبي داود أن ذلك كان في إحدى صلاتي العشي
وهو دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية والمرضع والحائض والصبي ما لم يتحقق نجاستها
وقال أبو هريرة كنا مع النبيفي صلاة العشاء فلما سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فلما رفع رأسه أخذهما بيديه من خلفه أخذا رفيقا ووضعهما على الأرض فإذا عاد عادا حتى قضى صلاته رواه الامام أحمد
وقال شداد بن الهاد عن أبيه خرج علينا رسول اللهوهو حامل الحسن أو الحسين فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها فلما قضى الصلاة قال إن ابني ارتحلني فكرهت أن اعجله ورواه أحمد والنسائي وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول اللهي صلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط وعليه بعضه رواه أبو داود
وقالت كنت أنا ورسول الله نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه منى شىء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه رواه أبو داود
فصل
ومن ذلك أن النبي كان يلبس الثياب التي نسجها المشركون ويصلي فيها
وتقدم قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهمه أن ينهى عن ثياب بلغه أنها تصبغ بالبول وقال أبي له مالك أن تنهى عنها فإن رسول اللهلبسها ولبست في زمانه
ولو علم الله أنها حرام لبينه لرسوله قال صدقت قلت وعلى قياس ذلك الجوخ بل أولى بعدم النجاسة من هذه الثياب فتجنبه من باب الوسواس ولما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية استعار ثوبا من نصراني فلبسه حتى خاطوا له قميصه وغسلوه وتوضأ من جرة نصرانية
وصلى سلمان وأبو الدرداء رضي الله عنهما في بيت نصرانية فقال لها أبو الدرداء هل في بيتك مكان طاهر فنصلي فيه فقالت طهرا قلوبكما ثم صليا أين أحببتما فقال له سلمان خذها من غير فقيه
فصل
ومن ذلك أن الصحابة والتابعين كانوا يتوضئون من الحياض والأواني المكشوفة ولا يسألون هل أصابتها نجاسة أو وردها كلب أو سبع ففي الموطأ عن يحيى بن سعيد أن عمر رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع فقال عمر رضي الله عنه لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا
وفي سنن ابن ماجه أن رسول الله سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع ومن ذلك أنه لو سقط عليه شىء من ميزاب لا يدري هل هو ماء أو بول لم يجب عليه أن يسأل عنه فلو سأل لم يجب على المسئول أن يجيبه ولم علم أنه نجس ولا يجب عليه غسل ذلك
ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما فسقط عليه شىء من ميزاب ومعه صاحب له فقال يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس فقال عمر رضي الله عنه يا صاحب الميزاب لا تخبرنا ومضى ذكره أحمد
قال شيخنا وكذلك إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شىء رطب ولا يعلم ما هو لم يجب عليه أن يشمه ويتعرف ما هو واحتج بقصة عمر رضي الله عنه في الميزاب وهذا هو الفقه فإن الأحكام إنما تترتب على المكلف بعد علمه بأسبابها وقبل ذلك هي على العفو فما عفا الله عنه فلا ينبغي البحث عنه
فصل ومن ذلك الصلاة مع يسير الدم ولا يعيد
قال البخاري قال الحسن رحمه الله ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم
¥