تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصورة الأولى: أن يسجد على القبر؛ يعني يجعل القبر مكان سجوده، (اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) يعني جعلوا القبر مكان السجود، هذه صورة، وهذه الصورة في الواقع لم تحصل بانتشار؛ لأن قبور الأنبياء في اليهود والنصارى لم تكن مباشِرة للناس يمكن أن يصلوا على القبر وأن يسجدوا عليه؛ بل كانوا يعظمون قبور أنبيائهم فلا يصَلُّوا عليها مباشرة؛ لكن قوله (اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) أبلغ صورة أن يتخذ القبر نفسه مسجدا يعني يصلي عليه مباشرة، وهذه أفضع تلك الأنواع، وهي التي تدل على أعظم وسيلة من وسائل الشرك والغلو بالقبر.

الصورة الثانية: أن يصلي إلى القبر، أن يتخذ القبر مسجدا؛ يعني أن يكون أمام القبر يصلي إليه، فإنه اتخذ القبر -وما حوله له حكمه- اتخذه مكانا للتذلل والخضوع، والمسجد لا يعنى به مكان السجود ووضع الجبهة على الأرض فقط وإنما يعني به مكان التذلل والخضوع، فاتخذوا قبورهم مساجد يعني جعلوها قبلة لهم، ولهذا نهى النبي r أن يصلى إلى القبر لأجل أن الصلاة إليه وسيلة من وسائل التعظيم، وهذا يوافق قول الشيخ رحمه الله في الباب (باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح) قوله عند قبره نفهم من هذه الصورة التي هي أن يكون أمامه القبر بينه وبين القبلة تعظيما للقبر.

الصورة الثالثة: أن يتخذ القبر مسجدا بأن يجعل القبر في داخل بناء وذلك البناء هو المسجد, فإذا دفن النبي قام أولئك بالبناء عليه، فجعلوا حول قبره مسجدا واتخذوا ذلك المكان للتعبد وللصلاة فيه، هذه هي الصورة الثالثة، وهي أيضا موافقته لقول الشيخ رحمه الله (عند قبر رجل صالح).

وهذا يبين لك بعض المناسبة في إيراد هذا الحديث تحت الباب.

قال: (قالت عائشة: يُحَذّرُ مَا صَنَعُوا) يعني ما سبب اللعن؟ لماذا لعن النبي عليه الصلاة والسلام اليهود والنصارى في ذلك المقام العظيم -وهو أنه في سكرات الموت-؟ السبب أنه يريد أن يحذر الصحابة من ذلك، قالت (يُحَذّرُ مَا صَنَعُوا) وقد قبل الصحابة رضوان الله عليهم تحذيره وعملوا بوصيته.

قالت: (وَلَوُلاَ ذَلكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ)، (أُبْرِزَ قَبْرُهُ) يعني أُظهر وجعل قبره مع سائر القبور في البقيع أو نحو ذلك؛ ولكن كان من العلل التي جعلتهم لا ينقلونه عليه الصلاة والسلام من مكانه الذي يُتوفى فيه قوله هنا عليه الصلاة والسلام («لَعْنَة اللّهُ على الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذّرُ مَا صَنَعُوا، ولَوُلاَ ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ) فهذه أحد العلتين.

والعلة الثانية قول أبي بكر t إنه سمع النبي r يقول: «إنّ الأنبياء يُقبرون حيث يُقبضون».

قالت (غَيْرَ أَنّهُ خَشِي) هنا أو (خُشي) تُروى بالوجهين، (غَيْرَ أَنّهُ خَشِي) يعني عليه الصلاة والسلام (أَنّ يُتّخَذَ مَسْجِداً) يعني أن يتخذ قبره مسجدا، ويجوز أن ويجوز أن تقرأها (غَيْرَ أَنّهُ خُشِي أَنّ يُتّخَذَ مَسْجِداً) يعني خشي الصحابة أن يتخذ قبره مسجدا، وهذا تنبيه على إحدى العلتين.

الصحابة رضوان الله عليهم قبلوا هذه الوصية، وجعلوا دفنه عليه الصلاة والسلام في مكانه، وحجرة عائشة التي دُفن فيها عليه الصلاة والسلام كانت عائشة تقيم أو أقامت جدارا بينها وبين القبور، فكانت غرفة عائشة فيها قسمان قسم فيه القبر وقسم هي فيه.

كذلك لما توفي أبو بكر t ودُفن بعد رسول الله r - من جهة الشمال-، كانت أيضا في ذلك المقام في جزء من الغرفة من الحجرة.

ثم بعد ذلك لما دفن عمر تركت الحجرة رضي الله عنها.

ثم أغلقت الحجرة، فلم يكن ثم باب فيها يدخل وإنما كان فيها نافذة صغيرة، وكانت الحجرة -كما تعلمون- من بناء ليس حَجَر ولا من بناء مُجَصّص وإنما كانت من البناء الذي كان في عهده عليه الصلاة والسلام من خشب ونحو ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير