ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[28 - 04 - 04, 01:38 ص]ـ
- وقال الشيخ الإمام أحمد بن عبدالسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (7/ 269 - 27): ((وقد ختم الله الرسل بمحمد؛ فلا يكون مسلماً إلا من شهد أن لا إله الا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
وهذه الكلمة بها يدخل الانسان فى الاسلام.
فمن قال الاسلام الكلمة، واراد هذا فقد صدق.
ثم لابد من التزام ما أمر به الرسول من الأعمال الظاهرة كالمبانى الخمس.
ومن ترك من ذلك شيئا نقص اسلامه بقدر ما نقص من ذلك؛ كما فى الحديث: (من انتقص منهن شيئا فهو سهم من الاسلام تركه).
وهذه الاعمال اذا عملها الانسان مخلصا لله تعالى فإنه يثيبه عليها ولا يكون ذلك الا مع إقراره بقلبه أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ فيكون معه من الايمان هذا الاقرار.
وهذا الاقرار لا يستلزم أن يكون صاحبه معه من اليقين ما لا يقبل الريب، ولا أن يكون مجاهدا ولا سائر ما يتميز به المؤمن عن المسلم الذى ليس بمؤمن.
وخلق كثير من المسلمين - باطنا وظاهرا - معهم هذا الاسلام بلوازمه من الايمان ولم يصلوا الى اليقين والجهاد.
فهؤلاء يثابون على اسلامهم واقرارهم بالرسول مجملاً.
وقد لا يعرفون أنه جاء بكتاب، وقد لا يعرفون أنه جاءه ملك، ولا أنه اخبر بكذا.
واذا لم يبلغهم أن الرسول أخبر بذلك لم يكن عليهم الاقرار المفصل به.
لكن لابد من الإقرار بأنه رسول الله، وأنه صادق فى كل ما يخبر به عن الله.
ثم الايمان الذى يمتاز به فيه تفصيل، وفيه طمأنينة ويقين؛ فهذا متميز بصفته وقدره فى الكمية والكيفية.
فإن أولئك معهم من الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وتفصيل المعاد والقدر ما لا يعرفه هؤلاء.
وأيضاً .. ففى قلوبهم من اليقين والثبات ولزوم التصديق لقلوبهم ما ليس مع هؤلاء.
وأولئك هم المؤمنون حقاً، وكل مؤمن لابد أن يكون مسلماً.
فإن الايمان يستلزم الاعمال، وليس كل مسلم مؤمناً هذا الايمان المطلق لأنَّ الاستسلام لله والعمل له لا يتوقف على هذا الايمان الخاص.
وهذا الفرق يجده الانسان من نفسه ويعرفه من غيره.
فعامة الناس إذا اسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الاسلام والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله فهم مسلمون، ومعهم ايمان مجمل.
ولكن .. دخول حقيقة الايمان الى قلوبهم انما يحصل شيئاً فشيئاً؛ ان أعطاهم الله ذلك.
وإلا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد.
ولو شككوا لشكوا! ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا!
وليسوا كفاراً ولا منافقين.
بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب.
ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال.
وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة.
وان ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم - فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب - والا صاروا مرتابين وانتقلوا الى نوع من النفاق.
وكذلك اذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من أهل الوعيد.
ولهذا لما قدم النبى المدينة أسلم عامة أهلها؛ فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق.
فلو مات هؤلاء قبل الإمتحان لماتوا على الاسلام ودخلوا الجنة ولم يكونوا من المؤمنين حقا الذين ابتلوا فظهر صدقهم ... )).
- إلى أن قال رحمه الله: ((ولهذا ذم الله المنافقين بأنهم دخلوا فى الايمان ثم خرجوا منه بقوله تعالى: ((والله يشهد إن المنافقين لكاذبون @ اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله)) إلى قوله: ((ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)).
وقال فى الآية الآخرى: ((يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة))، إلى قوله: ((قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين)).
فقد أمره أن يقول لهم: (قد كفرتم بعد إيمانكم).
قول من يقول عن مثل هذه الآيات: أنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولا بقلوبهم = لا يصح!
لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر.
فلا يقال قد كفرتم بعد إيمانكم؛ فإنهم لم يزالوا كافرين فى نفس الأمر.
وان أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان فهم لم يظهروا للناس إلاَّ لخواصهم وهم مع خواصهم ما زالوا هكذا.
¥