نعم روى عن بعض الضعفاء كعبد الكريم بن أبي المخارق وعاصم بن عبيد الله لكن روى لهم شيئاً يسيراً، وأما الغالب عليه رحمه الله فإنه لا يروي إلا عن ثقة وكان معروف بالتثبت والإتقان.
[الأمر الثاني]
أيضاً يتميز رحمه الله بأنه في الغالب إذا أسند الخبر لا يكون إلا صحيحاً ولا أعرف أنه وصل خبراً ليس بصحيح ـ لا يسند خبراً إلا ويكون صحيحاً.
نعم هو كثيراً ما يرسل الأخبار والرجل الذي لا يرضاه يسقطه من الإسناد كما أسقط عكرمة بين ثور وبين وابن عباس.
فمما يتميز به الإمام مالك أنه لا يسند إلا ما كان صحيحا ولذلك استدل على الحاكم على صحة حديث كبشة عن أبي قتادة رضي الله عنه في الهرة ــ استدل على صحته الحاكم أيضاً بإخراج أو بإيداع الإمام مالك لهذا الحديث في كتابه الموطأ.
الأمر الثالث الذي يتميز به رحمه الله:
أنه كثيراً ما كان يرسل الأخبار فينبغي الانتباه إلى منهجه هنا يعنى إذا أرسل خبراً ووصله من هو مثله في الحفظ والإتقان أو قريباً منه هنا يقدم الذي وصل ويقال إن الإمام مالك قد يكون مشي على منهجه فأرسل الخبر، تجد كثيراً من الأخبار تجدها في كتاب الموطأ مرسلة بينما تجد هذه الأخبار من طريقه في الصحيحين مسنده وموصولة فهو رحمه الله أحيانا يعتمد حذف الأسانيد أو إرسال الأخبار.
[الأمر الرابع]
كذلك أيضا مما يتميز به كما ذكرته قبل قليل أن الرجل الذي لا يرضاه أحيانا يحذفه من الأسناد وليس هذا من قبيل التدليس أو التسوية لا، وإنما هذا من قبيل التورع وأنه لا يرضى هذا الرجل فكيف يحدث عنه وكيف يسند عنه فلذلك كأن أحيانا يحذف الراوي المتكلم فيه من جملة الخبر ومن الإسناد فأيضا ينبغي الإنتباه لهذا ولا يعد هذا من قبيل الإختلاط أوالتسويه أو التدليس وماشابه ذلك.
[الأمر الخامس]
كذلك أيضا مما يتميز به في الغالب أنه ما يذكر في كتابه الموطأ إلا ما كان عليه العمل عند أهل المدينة.
ولذلك الحديث إذا لم يكن عليه عمل عند أهل المدينة أحياناً يحذفه ولا يذكره في كتابه الموطأ ولذلك إختلفت الموطآت من حيث العدد والكثرة فهو كان رحمه الله كلما تقدم به العمر كلما حذف بعض الأحاديث لأنه يري فيما يرى هو رحمه الله أنها ليس عليها العمل بغض النظر عن مناقشته في ذلك وهذه المسألة مسألة وقع فيها خلاف مطول ما بين المالكية وما بين غيرهم في ما يتعلق بعمل أهل المدينة ولابن تيميه رحمه الله تعالى كلام جميل في ما يتعلق بعمل أهل المدينة وقسم في ما أذكر عمل أهل المدينة إلى أربعة أقسام فينبغي الرجوع إليه فإنه كلام نفيس ومفيد.
{إبن شهاب}
هو محمد بن مسلم بن عبيدالله بن بن عبدالله بن شهاب القرشي الزهري أبوبكر المدني نزيل الشام وهو إمام جليل وحافظ كبير من الطبقة الرابعة توفي في عام أربعه وعشرين ومائة.
والزهري كما ذكرت من الحفاظ الثقات الأثبات.
وهو يتميز بأنه إذا أسند الخبر يكون صحيح ــ إذا أسند الخبر لا بد أن يكون صحيح.
وإذا سمي من حدثه يكون ثقة وكان أهل العلم يستدلون على ثقة الراوي بتحديث الزهري عنه إذا سماه مثل ما استدل ابن عبدالبر على توثيق ابن عكيمه برواية الزهري عنه.
وأما إذا كان ما يرضي الحديث يرسله وإذا كان ما يرضي من حدث عنه أسقطه ولذلك قال الشافعي وغيره قال: إن شر المراسيل مراسيل الزهري إذا قال أخبرت أو حدثت فهذا في الغالب يكون الخبر باطل ولا يصح.
وإما إذا أسند فهذا يكون صحيح وكذلك أيضا إذا سمي من حدثه فهذا يكون ثقة في الغالب ويستدل أهل العلم كما ذكرت على توثيقه بذلك.
كذلك أيضا ما تميز به رحمه الله أنه كثيرا ما يفسر الخبر فيظن أحيانا الراوي بأن هذا الكلام الذي صدر من الزهري في تفسير بعض الأشياء والكلمات في ا لحديث يظن أنه من صلب الحديث فيدرجه ضمن الحديث وهو يكون من كلام الزهري وهذا كثير ما يحصل للزهري هو يذكر كلاماً في تفسير الحديث أحياناً ما يفصل كلامه من الحديث فقد يظن الراوي بأن هذا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فأيضاً ينبغي الانتباه لهذا.
{عروة بن الزبير}
هو إبن العوام الأسدي القرشي المدني وعروة من الطبقة الثالثة وتوفي في عام أربع وتسعين وقيل غير ذلك وهو من الثقات الأثبات الفقهاء الحفاظ ومن العلماء وهو مكثر من الحديث رحمه الله تعالى وموصوف بالجلاله والعباده والفضل والعلم.
{عن عائشة}
رضي الله عنها و كانت رضي الله عنها خالة له لأن أمه أسماء وأسماء أخت عائشة وعروة من المكثرين عن عائشة رضي الله عنها.
{عن عائشة رضي الله عنها قالت ..... }
هذا الحديث إسناده صحيح بل هذا الأسناد يعتبر من أصح الأسانيد على وجه الأرض لأنه مسلسل بالحفاظ الثقات الأثبات والحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما.
وفي هذا الحديث فوائد:
وأولاً: أن هذه الشريعة إنما هي شريعة اليسر والسهولة والسماحة كما وصف الله عز وجل بذلك شرعة وكما في الحديث (أن الرسول صلى الله عليه سلم ما خير ..... )
الفائدة الثانية: هي أن إذا لم يترجح لطالب العلم أحد المذهبين وأحد القولين فيعتبر أيسرهما يعتبر الأيسر منهما من جملة الترجيح من جملة ما يرجح به الخبر فهنا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خيْر بين أمرين كلاهما مباحان ليس فيهما أثم يختار الأيسر فإذا أختلف الأمر على طالب العلم وما ترجح له أحد القولين و المذهبين هنا يعتبر الأيسر منهما من جملة ما يرجح به هذا الخبر فهذا بعض ما يستفاد من هذا النص.
ولعلى أقف عند هنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع
¥