وهنا نورد ما قاله بعض العلماء في جواز الجلوس للتعزية، ومن ذلك:
- ما نُقل عن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الرخصة في ذلك، فقد نقل ابن مفلح (ت 884هـ)، والمرداوي (ت885هـ) ـ رحمهما الله تعالى ـ عنه (الرخصة لأهل الميت، نقله حنبل واختاره المجد؛ وورد عنه أيضا الرخصة لأهل الميت ولغيرهم، وقال بكراهته إذا كان فيه تهيج للحزن) ().
- وقال ابن قدامة (ت620هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت، يبعث به إليهم، إعانة لهم، وجبرا لقلوبهم؛ فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم) ().
فقول ابن قدامة: (وبمن يأتي إليهم) فيه دليل على أن الاجتماع للعزاء أنه قول ابن قدامة.
- ونقل ابن عابدين الحنفي (ت1252هـ) عن كتاب الظهيرة قوله: (ولا بأس ـ أي الجلوس للتعزية ـ لأهل الميت في البيت أو المسجد والناس يأتونه ويعزونه) ().
- وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز (ت 1420هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عندما سئل عن جلوس أهل الميت لاستقبال المعزين واجتماعهم لذلك.
قال ـ رحمه الله تعالى ـ: (لا أعلم بأساً فيمن نزلت به مصيبة بموت قريب، أو زوجة، ونحو ذلك أن يستقبل المعزين في بيته في الوقت المناسب، لأن التعزية سنة، واستقبال المعزين مما يعينهم على أداء السنة؛ وإذا أكرمهم بالقهوة، أو الشاي، أو الطيب، فكل ذلك حسن) ().
وقد سُئل الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: من أن بعض أهل الميت يجلسون ثلاثة أيام فما حكم ذلك؟
فأجاب ـ رحمه الله تعالى ـ: (إذا جلسوا حتى يعزيهم الناس فلا حرج إن شاء الله حتى لا يتعبوا الناس لكن من دون أن يصنعوا للناس وليمة) ().
الراجح في هذه المسألة:
يترجح بعد عرض قولي العلماء في هذه المسألة أن الجلوس للتعزية ـ ذات الجلوس ـ ليس فيه بأس إذا خلا المجلس من المنكرات والبدع، ومن تجديد الحزن وإدامته، ومن تكلفة المؤنة على أهل الميت.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من أدلة فالجواب عنها ما يلي:
1 - أما أثر جرير بن عبدالله البجلي ? قال:"كنا نعد (وفي رواية ابن ماجه كنا نرى) الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة" ().
أ- فهذا الأثر رواه الإمام أحمد من طريق نصر بن باب ()، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير بن عبدالله البجلي? ().
فسند هذا الأثر رواته ثقات، ما عدى نصر بن باب الخرساني، وهو كذاب.
قال عنه الإمام البخاري: يرمونه بالكذب ().
وقال عنه ابن معين: ليس حديثه بشيء (4).
وقال عنه علي بن المديني: رميتُ حديثه (4).
وقال عنه أبو حاتم الرازي: متروك الحديث (4).
وقال عنه أبو خيثمة وهب بن حرب: كذاب (4).
فهذا السند (سند موضوع) لأن فيه نصر بن باب الخرساني.
ب- قال الإمام أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني (): حدثنا محمد بن يحيى () قال: حدثنا سعيد بن منصور (). حدثنا هُشيم ح، وحدثنا شجاع بن مخلد أبو الفضل () قال: حدثنا هُشيم، عن إسمعيل بن أبي خالد ()، عن قيس بن أبي حازم ()، عن جرير بن عبدالله البجلي ? قال: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة).
فرواية ابن ماجه جاءت من طريقين ومدار الحديث على هُشيم بن بشير، وبعد تتبع جميع الرواة في السندين وجدت أنهم كلهم محتج بحديثهم فهم من الثقات الأثبات، ولأن مدار الأثر في السندين على هُشيم بن بشير، فقد أفردته هنا بالتحرير حتى نخلص للحكم على إسناد هذا الأثر.
فهُشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السُلمي، أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي.
روى الحديث عن أبيه، وخاله القاسم بن مهرن، وعبد الملك بن عمير، ويعلى بن عطاء، وعبدالعزيز بن صهيب، وسليمان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس وغيرهم كثير.
وروى عنه مالك بن أنس، وشعبة، والثوري، وابن المبارك ووكيع، ويزيد بن هارون وغيرهم.
ثناء العلماء على هُشيم:
قال حماد بن زيد: ما رأيت أنبل في المحدثين من هُشيم ().
وقال عبدالرحمن بن مهدي: كان هُشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري ().
وقد سئل أبو زرعة عن هُشيم، وجرير فقال: هُشيم أحفظ ().
قال الخليلي: حافظ متقن تغير بآخر موته ().
وذكره ابن حبان في الثقات ().
ما قاله العلماء عن تدليس هُشيم:
وقال العجلي: هُشيم واسطي ثقة، وكان يدلس ().
وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتاً يدلس كثيراً ().
¥