الوجه الأول: النبي:= عاش في مكة وليس من عمل أهل مكة الزرع بل الرعي والتجارة وغير ذلك فلا غرابة أن يخفى على النبي:= أمر مثل هذا، وذلك نظير عدم تمييزه:= للحم الضب الذي قُدِّم له مع أنه معروف لدى أهل المدينة (والحديث متفق عليه) وذلك لأن الضب ليس بأرض قوم النبي:= كما قال ذلك هو:= ولذلك نظائر لا أستحضرها الآن فهذا طبيعي، قال القرطبي في المُفهم ((وقوله:= ": ما أظن ذلك يغني شيئاً " يعني به الإبار، إنما قال النبي -:= -هذا؛ لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة، فإنه لم يكن ممن عانى الزراعة، ولا الفلاحة، ولا باشر شيئاً من ذلك، فخفيت عليه تلك الحالة). " المفهم (6/ 168) وبهذا نرد على من قال لا يمكن أن يجهل النبي:= ذلك.
الوجه الثاني: أن النبي:= (لم يأمرهم) بترك التأبير (ولم يقل لهم علنا أمامهم لنقول إنه تكلم فيما لا يعنيه ولم يسمعوا منه مباشرة) وإنما ـ كما جاء في روايات هذا الحديث ـ قاله لما سأل غيرهم عن صنيعهم فأخبِر فقال وهو بعيد عنهم ما قال فبلغهم ذلك فظنوه أمرا شرعيا فتركوه وإلا فقد جاء في بعض الروايات (ما أظن ذلك يغني شيئا) قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج: 15 ص: 116 قال العلماء ولم يكن هذا القول خبرا وإنما كان ظنا كما بينه في هذه الروايات). انتهى، فذلك مجرد ظن منه وبهذا يُعلم أن ذلك ليس نهياً أو أمراً أو سنة أو ندباً (وهذا ضابط مهم) وبهذا نرد على من قال إنه تكلم فيما لا يعنيه (وهذا القول ظاهر البطلان لأنا إذا قلناه لرددنا كل قول قاله لغيره) وفيه رد على من قال (إنما يقوله رجل يعلم أمرا خافيا على القوم ويريد أن يعلمه لهم عمليا وقد أغضبه منهم اعتراضهم عليه وردهم عليه رد الشاك المتردد).
وفيه رد على بقية الإيرادات.
ولا وجه بين هذه القصة وقصة ليلة القدر.
2. حديث التأبير تكلم عليه الملاحدة والعلمانية قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند (2/ 364 - 365) برقم (1395):وهذا الحديث مما طنطن به ملحدو مصر، وصنائع أوروبا فيها، من عبيد المستشرقين، وتلامذة المبشرين، فجعلوه أصلا يحاجون به أهل السنة)
وقال (والحديث صريح، لا يعارض نصا، و لا يدل على عدم الاحتجاج بالسنة في كل شأن، لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ينطق عن الهوى، فكل ما جاء عنه فهو شرع و تشريع: (وإن تطيعوه تهتدوا)، وإنما كان في قصة تلقيح النخل، أن قال لهم (ما أظن ذلك يغني شيئا)، فهو لم يأمر ولم ينه، ولم يخبر عن الله، ولم يسن في ذلك سنة ....... الخ).
وللحديث فوائد كثيرة أذكرمنها فائدتين:
ـ (أن الحديث يحث على التجريب في أمور الدنيا، وعدم الاستسلام لأسر العادة)
ـ (تسلية أهل العلوم الدنيوية التجريبية إذا جربوا طريقة جديدة أو تغييرًا في عادة متبعة، وكانت النتيجة أن الطريقة القديمة أنجح من طريقتهم الجديدة، فلا ييأسوا).
مما سبق نعلم أن الحديث نصٌّ في محل النزاع فقد قال النووي في ترجمته على هذا الحديث في صحيح مسلم (وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا).
وأخرج ابن خزيمة (410) والامام أحمد 5/ 298 من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة في قصة طويلة قول النبي:= ما تقولون، إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمر دينكم فإليّ)
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 06 - 2005, 02:17 م]ـ
إشراقة طيبة من أخي باوزير