ـ[الامين]ــــــــ[20 - 06 - 2005, 05:41 م]ـ
[ QUOTE= جمال حسني الشرباتي] [ B] أنا عندي أن اللغة نشأت إصطلاحا وتواضعا بين الناس وليست توقيفية---
بسم الله الرحمن الرحيم
أن ما أفاده أخونا جمال حسني هو كلام صحيح ومتين لكنه يحتاج إلى توضيح وشرح أوسع.
فنقول: قد وقع الخلاف في تعيين ومعرفة الواضع: هل هو الله تعالى أو الأنبياء والرسل أو الملائكة، أو أن الألفاظ الموضوعة بعضها من الله وبعضها من الناس. فهنا اقول:
الاول: أن الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم، لان حكمته البالغة لما اقتضت تكلم البشر بابراز مقاصدم بالالفاظ فلابد من انتهاء كشف الالفاظ لمعانيها إليه تعالى شانه بوجه إما بوحي منه إلى نبي من أنبيائه أو بالهام منه الى البشر أو إيداع ذلك في طباعهم بحيث صاروا يتكلمون ويبرزون المقاصد بالالفاظ بحسب فطرتهم حسب ما أودعه الله في طباعهم.
وهذا الوجة وان كان يلائم المستفاد من الاية الكريمة، وذلك لان الجمع المحلى باللام المفيد للعموم في (الاسماء) وتاكيده بلفظ (كل) الواقعين في الاية الكريمة يشملان جميع الاسماء الواقعة في سلسلة الزمان الى انقراض العالم وفي جميع اللغات واللهجات وقد احاط بها آدم (عليه السلام) احاطة فعلية.
وهذا القول وان لم يكن من قدرة الله تعالى ببعيد ولكنه مشكل جدا وبعيد من الاذهان، ولو كان الامر كذلك لكانت معجزة أدم (عليه السلام) اجلى وارفع من معجزات جميع الانبياء.
وهذا القول أيضا كما ترى أخي القاري لو تم فإنما يتم لو كان وضع الألفاظ لمعانيها دفعيا وفي زمان واحد، إلا أن الأمر ليس كذلك، فإن سعة دائرة الوضع وضيقها تتبع سعة دائرة الغرض وضيقها ولان بقاء المجتمع البشري قائم على تطلعاته وثقافته وهي مستمرة تبعاً لتدرجه الزمني تبعاً لاحتياجاته فهو مرتهن على طبق التدرج والامر الطولي دون الوجود العرضي لاغراضه، ومقتضى الغرض يوجد بما يقتضيه حاجته، ولا يمكن أن توجد دفعة واحدة ولذا إن زمن آدم غير زماننا، وهكذا في الازمان الأخرى المتلاحقة تسير تبعاً للاغراض، فتتولد المعاني، وتتأطر بالالفاظ بما تكون قالباً لها ومناسباً لها.
والحاصل: فان الله سبحانه وإن كان هو الملهم والجاعل التكوني في بناء الانسان ولكن مسالة الوضع وكيفية نشاة اللغة
يوكلها الى الانسان وشؤونه الثقافية والكسبية.
القول الثاني: بأن الواضع هو النبي حيث أن مسيرة المجتمع البشري قائمة على الخلاء الفكري، فلابد له من مربي يقوده إلى الصالح ويبعده عن طريق الاعوجاج ولما كان الانبياء بيدهم الدور التعليمي فالناس بمقتضى طبعهم محتاجون إلى المربي في أفكارهم والمربي في منطقهم ولسانهم فثبت أن الواضع الحقيقي الانبياء وليس غيرهم.
فآدم لما كان نبياً لأبنائه فأول نزوله حاملا البيان للمسميات الى الارض فكان هو الواضع للغة وجاعلها الحقيقي فيكون هو المخطط العام للوضع وأما توسعة اللغة فتحصل عن طريق المقارنات والعلاقات المجازية الحادثة.
وهذا أيضا يشكل القول به وذلك: أن الانبياء وإن كانوا هم الوسيلة في بناء المجتمع وبناء هيكله، إلا أن ذلك لا يتحدد بكون الوضع مختصاً بهم، هذا مع أن مدارك الانسان تقع على نحو التدرج فكل زمن له مصطلح خاص، والفاظ مخصوصة مما يجدها مرتبطة بمعانهيا ويكون في ظرف انقطاع الانبياء يكون موجباً لانقطاع اللغة بينما نجد استمراية اللغة تبعاً لتولد المعاني المستحدثة.
القول الثالث: كون الواضع هو الملائكة وذلك من خلال كون الوصي عن طريق جبرائيل في مقام التبليغ والهداية للمجتمع البشري، وهذا يكشف عن جعل العلاقة الوضعية بكونها مرتبطة بالوحي الإلهي فيكون الاستناد إليه حقيقيا دون النبي.
ويرد على هذا القول: ان الوضع هو عبارة عن اضافة خاصة بين اللفظ والمعنى على وجه الاعتبار، ودور الملك لم يثبت لديه تلك الاضافة الخاصة الاعتبارية والعلاقة الوضعية اللفظية، وأما انزال الكتب السماوية كالتوراة والانجيل والقرآن لم يكن الاسنتاد الوضعي فيها للوحي حقيقة، وإنما هو مجرد وجود حكائي اودعه الله في عقلية جبرائيل في النطق عن تلك الالفاظ الخاصة ولم يكن له جهة استقلالية في مقام الوضع.
القول الرابع: أن يكون الواضع هو البشر بمعنى: أن شخصا أو جماعة معينين من أهل كل لغة يتمكن من وضع ألفاظها لمعانيها.
والجواب عن هذا القول: انه لم يثبت تاريخياً ان استناد الوضع مرتبط بشخص خاص من سنخ البشر كيعرب بن قحطان ولو قدر الانحصار به لاستلزم التعطيل في اللغات والعسر والحرج فاذن لو فرض أن البشر كان هو الواضع لنقل ذلك في التواريخ فإنها تتكفل بنقل ما هو دونه، فكيف بمثله؟ وهذا الجواب إنما يتم لو كان الواضع شخصاً واحداً أو جماعة معينين، وأما إذا التزمنا من ان الواضع لا ينحصر بشخص واحد أو جماعة معينين بل كل مستعمل من أهل اللغة واضع بشكل تدريجي، فلا يبقى مجال للنقل في التواريخ.
والنتيجة التي نصل اليها من كل هذا وان أطلت عليكم هو ان الواضع لا يتحدد بالفرد الشخصي وإنما الواضع يقع نوعياً، لان الطبيعة البشرية في دور النمو والتطور الفكري تبعاً لاجتاجة وأغراضه، فكما تتطور مداركه وثقافته واحتاجته يضع ألفاظ على طبق تلك المعاني كما في الهاتف والتلفاز والمذياع والاقمار الصناعية والطائرات والسفن واللاسلكي ونحوها
فالبشر نوعا يقومون بعملية الوضع فهم أهل تلك اللغة في كل عصر، وذلك أمر ممكن لهم.
¥