واذا تبين ذلك فنقول تارة: نلاحظ النسبة بين ما صح عن علي مع ما صح عن ابن عباس مع ما صح عن مجاهد رضي الله عنهم بالنظرة السطحية البدوية نرى انها متعارضة ولا سبيل إلى التوفيق والجمع بينها فإما هرة وإما طشت من ذهب.
وهذا النظر السطحي غير صحيح ولا يمكن الاعتماد عليه وهو الذي وقع فيه اخونا محمد وذلك لما سيأتي ان كونها هرة أو طشت من ذهب أو من انها ريح خجوج لا خصوصية فيه كي يكون ملحوظا على وجه الصفتية والموضوعية بما هو هو، بل الملحوظ في الرواية هي هرة مع ما اودع الله سبحانه وتعالى فيها ما يسكن النفس ويطمئن به القلب وكذلك الطشت والريح فليس الملحوظ فيهما الريح بما هي او الطشت بما هو بل بما هما سبب لسكون النفس واطمئنانها.
وأخرى: نلحظ النسبة بين الادلة بمجموعها أي من الاية الكريمة (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ ... ) مع بقية الايات كما في قوله تعالى (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما) وقوله تعالى (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها) وقوله تعالى: " لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو ابناؤهم أو إخوانهم أو عشيرتهم. أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه " المجادلة - 22، أفاد سبحانه في هذه الاية ان هذه الحياة إنما هي بروح منه، وتلازم لزوم الايمان واستقراره في القلب فهؤلاء المؤمنون مؤيدون بروح من الله تستتبع استقرار الايمان في قلوبهم، والحياة الجديدة في قوالبهم، والنور المضئ قدامهم.
فيعلم من هذا كله ان السكينة الورادة في قوله تعالى (يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ) هي روح الهي او تستلزم روحا الهي من امر الله توجب سكون القلب واستقرار النفس وربط الجاش. وهذا الفهم للاية الكريمة انما استفدناه ببركة الجمع بينها وبين الايات الكريمة المتقدمة.
واما هذه السكينة هل هي على شكل ريح خجوج هفافة، لها رأسان، ووجه كوجه الإنسان .. او هي شيء، يشبه الهرة، له جناحان .. أو هي طشت من ذهب الجنة، كان يُغسل فيه قلوب الأنبياء فهذا لا يمكن استفاده لا من الاية الكريمة وحدها ولا مع غيرها بل لابد من ان نرجع به الى الروايات الواصلة الينا وبما ان هذه الروايات هي متساوية الحجية بمعنى انها كلها صحاح ولا يوجد مرجح لاحدها على الاخر
فلا مانع من الاخذ بهذه الروايات الثلاث وتكون كلها مصاديق للاية الكريمة
بحيث ان المعنى الكلي الماخوذ ـ وهو ما يوجب سكينة القلب واستقرار النفس وربط الجأش ـ في الاية الكريمة قابل للانطباق على كل واحد من هذه الروايات الثلاث. وهذا لا محذور فيه عند العرف وتكون هذه الروايات الثلاث كلها مصاديق واشارات الى ما يوجب السكون. وهذا من قبيل
عباراتنا شتى وحسنك واحد * وكل إلى ذاك الجمال يشير
ومن هذا يتضح الجواب عما ذكره اخونا خالد بالنسبة الى الشق الاول من اشكاله واما الشق الثاني هو: ثمّ كيف تكون السكينة معنوية وحسب، فتحتاج الى تابوت يحويها وملائكة تحملها، و تُعطف على مجهول آخر وهو بقية مما ترك آل موسى و آل هارون؟
فجوابه من قال انها معنوية وحسب بل فيها ادراك وشعور وهذا يتضح مما كتبته سابقا ولعل الاخ لم يمعن القرائه فيه جيدا.
واما ما ذكره اخونا محمد من الحديث:"من قال بالقرآن برأيه ..... " لم تصح له طريق, ولم يثبت له سند, فهو ليس بحجة!.
فهو كلام صحيح لورود سفيان بن وكيع فيه الذي قال عنه أبو زرعة: متهم بالكذب.
وكذلك لورود أحمد عبد الأعلى الثعلبي الذي ضعفه أحمد وأبو زرعة.
ولكن ضعف سنده لا ينافي الجزم بصحة مضمونه، لأنه مؤيد بالعقل والنقل.
ولم اسمع عن احد من علمائنا قاطبة يقول بجواز واباحة التفسير بالرأي بل حرمته من القطعيات الواضحة. وان وجدت من يقول بالجواز فأتحفني به واكون لك من الشاكرين.