تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا كان المقصود من الأسماء: " الأنداد وما يُعبد من دون الله "، على حدّ قول الباحث، وإذا كان " كل ما يُعبد من دون الله " طاغوتاً (تفسير الطبري، ج3، ص19)، وإذا كان الطاغوت: " هو اللات والعزّى والكاهن والشيطان، وكل رأس ضلال والأصنام، وكل ما عُبد من دون الله " (بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي، ج3، ص509)، وإذا كان الطاغوت الأكبر، هو: الشيطان (الدر المنثور للسيوطي، ج2، ص22)، وإذا علمنا أن إبليس - الشيطان اللعين - كان في حضرة الملائكة عليهم السلام، حين عرض الله عليهم الأسماء، لوجب أن يكون إبليس اللعين ضمن هذه الأشياء نفسها، ولوجب عليه أن يعلم اسم نفسه هو .. ولذلك وجب أن يكون مما عُرض عليه وعلى الملائكة شيئاً لا يعلمه ولا تعلمه الملائكة البتّة، ولم يروه من قبل.

وهذا يناقض ما احتجّ به الباحث من قبل، حينما اعترض على أقوال المفسرين بأن يكون المقصود بالأسماء هم الملائكة، قال: «إن كانت " الأسماء كلها " تجمع الأشياء كلها، كما يروي المفسرون، لوجب أن يكون الملائكة المسئولون ضمن هذه الأشياء نفسها، ولوجب عليها أن تعلم أسماء أنفسها هي، ولا يقبل بعدها أن تقول: " لا علم لنا "! إلا أن يكون ما بدا للملائكة مما عُرض عليهم شيئا لا تعلمه البتة ولم تره من قبل .. » فكيف يطلب منا أن نقبل نقيض ما زعمه هو بنفسه؟

الثالث:

في قوله تعالى: " أَتُجَادِلُونَني فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ " فوائد، منها: أن المجادلة كانت بالباطل والعنت والتكذيب، والاستفهام فيها على سبيل الإنكار، وذلك لأنهم كانوا يُسمّون الأصنام بالآلهة، مع أن معنى الإلهية فيها معدوم، وسمّوا واحداً منها بالعزّى مشتقاً من العزّ، والله ما أعطاه عزّاً أصلاً، وسمّوا آخر منها باللات، وليس له من الإلهية شيء .. فمنتهى حجّتهم وسندهم أن الأصنام تُسمّى آلهة من غير دليل يدلّ على تحقّق المسمّى. يقول الشوكاني في فتح القدير: «" أَتُجَادِلُونَني فِي أَسْمَاءٍ ": يعني أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها، جعلها أسماء، لأن مسمّياتها لا حقيقة لها، بل تسميتها بالآلهة باطلة، فكأنها معدومة لم تُوجد، بل الموجود أسماؤها فقط " سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ "، أي: سمّيتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم، ولا حقيقة لذلك، و " مَا نَزَّلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ "، أي: من حجّة تحتجّون بها على ما تدّعونه لها من الدعاوي الباطلة». ويقول ابن عطية في المحرر الوجيز: «إنما يريد أنهم يخاصمونه في أن تُسمّى آلهة، فالجدل إنما وقع في التسميات لا في المسميات». وجاء في البحر المحيط لأبي حيان: «هذا إنكار منه لمخاصمتهم له فيما لا ينبغي في الخصام، وهو ذكر ألفاظ ليس تحتها مدلول يستحقّ العبادة، فصارت المنازعة باطلة بذلك .. فالجدال إذ ذاك يكون في الألفاظ لا مدلولاتها. ويحتمل أن يكون الجدال وقع في المسمّيات وهي الأصنام فيكون أطلق الأسماء وأراد بها المسميات وكان ذلك على حذف مضاف أي " أَتُجَادِلُونَني " في ذوات أسماء ويكون المعنى " سَمَّيْتُمُوهَا " آلهة وعبدتموها من دون الله، قيل: سموا كل صنم باسم على ما اشتهوا وزعموا أنّ بعضهم يسقيهم المطر وبعضهم يشفيهم من المرض وبعضهم يصحبهم في السّفر وبعضهم يأتيهم بالرزق.»

فإذا كانت هذه المسمّيات معدومة، لا حقيقة لها، ولم ينزل الله بها من سلطان، بل الموجود أسماؤها فقط، فهل يعقل أن يعرض الله تعالى على الملائكة عدماً، ثم يقول لآدم عليه السلام: أنبئهم بأسماء هؤلاء؟ فإن قيل: لماذا تركتم الاحتمال الثاني من التأويل، وهو أن الجدال إنما وقع في المسمّيات وهي الأصنام؟ نقول: هذا أيضاً لن يزيل الإشكال، لأنه من المعلوم أن ليس كل ما عُبد من دون الله سبحانه وتعالى كان له ذات وجسم، كالتماثيل والأنصاب والأصنام، حيث ذكر المفسرون أن بعض آلهة عاد كان مجرّد اسم يذكرونه بالإلهيّة ولا يجعلون له تمثالاً ولا نُصباً، مثل ما كانت العزّى عند العرب، قال ابن عاشور: إنهم جعلوا لها بيتاً ولم يجعلوا لها نصباً. وإذا كان ذلك كذلك، فكيف يعرض الله سبحانه وتعالى على الملائكة أشياء لا ذوات لها ولا أجسام؟ ثم يقول لآدم عليه السلام: أنبئهم بأسماء هؤلاء؟

فالحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخصّهم بكمال العقول وصحّة الفطرة ونور البرهان ..

يتبع ..

ـ[أمين هشام]ــــــــ[16 - 07 - 2005, 12:21 ص]ـ

جهد واضح, يدل على اطلاع وعزيمة ..

ولكنني يا أستاذ لؤي قرأت لك في معرض ردك, قولك: "وإذا علمنا أن إبليس - الشيطان اللعين - كان في حضرة الملائكة عليهم السلام، حين عرض الله عليهم الأسماء ... ".

ثم بنيت عليه جدلية أبطلت بها ما ذهب إليه ذلك المخالف!.

فمن أين علمت أن -الشيطان اللعين- كان في الحضرة؟؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير