ورد المتشابهات في الأفعال إلى قوله) قل فلله الحجة البالغة (2 وكذلك الآيات الموهمة نسبة الأفعال لغير الله تعالى
من الشيطان والنفس ترد إلى محكم قوله تعالى) ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا (3 وما كان من ذلك
عن تنزل الخطاب أو ضرب مثال أو عبارة عن مكان أو زمان أو معية أو ما يوهم التشبيه فمحكم ذلك قوله) ليس
كمثله شيء (1 وقوله) ولله المثل الأعلى (4 وقوله) قل هو الله أحد (5
ومنه ضرب في تفصيل ذكر النبوة ووصف إلقاء الوحي ومحكمه قوله تعالى) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (6
وقوله) وما ينطق عن الهوى (7
ومنه ضرب في الحلال والحرام ومن ثم اختلف الأئمة في كثير من الأحكام بحسب فهمهم لدلالة القرآن
ومنه شيء يتقارب فيه بين اللمتين لمة الملك ولمة الشيطان لعنه الله ومحكم ذلك قوله تعالى) إن الله يأمر بالعدل
والإحسان (1 الآية ولهذا قال عقبة) يعظكم لعلكم تذكرون (1 أي عندما يلقى العدو الذي لا يأمر بالخير بل بالشر
والإلباس
ومنه الآيات التي اختلف المفسرون فيها على أقوال كثيرة تحتملها الآية ولا يقطع على واحد من الأقوال وأن مراد
الله منها غير معلوم لنا مفصلا بحيث يقطع به
الثاني
أن هذه الآية من المتشابه أعني قوله) وأخر متشابهات (2 الآية من حيث تردد الوقف فيها بين أن يكون
على) إلا الله (وبين أن يكون على) والراسخون في العلم يقولون آمنا به (وتردد الواو في) والراسخون (بين
الاستئناف والعطف ومن ثم ثار الخلاف في ذلك
فمنهم من رجح أنها للاستئناف وأن الوقف على) إلا الله (وأن الله تعبد من كتابه بما لا يعلمون وهو المتشابه كما
تعبدهم من دينه بما لا يعقلون وهو التعبدات ولأن قوله) يقولون آمنا به (متردد بين كونه حالا فضلة وخبرا عمدة
والثاني أولى
ومنهم من رجح أنها للعطف لأن الله تعالى لم يكلف الخلق بما لا يعلمون وضعف الأول لأن الله لم ينزل شيئا من
القرآن إلا لينتفع به عباده ويدل به على معنى أراده فلو كان المتشابه لا يعلمه غير الله (3) للزمنا ولا يسوغ لأحد
أن يقول إن رسول الله
?
لم يعلم المتشابه فإذا جاز أن يعرفه الرسول مع قوله) وما يعلم تأويله إلا الله (جاز أن يعرفه الربانيون من
صحابته والمفسرون من أمته ألا ترى أن ابن عباس كان يقول أنا من الراسخين في العلم ويقول عند قراءة قوله في
أصحاب الكهف) ما يعلمهم إلا قليل (1 أنا من أولئك القليل
وقال مجاهد في قوله تعالى) وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم (يعلمونه و) يقولون آمنا به (ولو لم يكن
للراسخين في العلم حظ من المتشابه إلا أن يقولوا) آمنا (لم يكن لهم فضل على الجاهل لأن الكل قائلون ذلك ونحن
لم نر المفسرين إلى هذه الغاية توقفوا عن شيء من القرآن فقالوا هو متشابه لا يعلمه إلا الله بل أمروه على
التفسير حتى فسروا الحروف المقطعة
فإن قيل كيف يجوز في اللغة أن يعلم الراسخون والله يقول) والراسخون في العلم يقولون آمنا به (وإذا أشركهم في
العلم انقطعوا عن قوله) يقولون (لأنه ليس هنا عطف حتى يوجب للراسخين فعلين
قلنا إن) يقولون (هنا في معنى الحال كأنه قال) والراسخون في العلم (قائلين آمنا كما قال الشاعر (2)
الريح تبكي شجوها
والبرق يلمع في غمامه
أي لامعا
وقيل المعنى (يعلمون ويقولون) فحذف واو العطف كقوله) وجوه يومئذ ناضرة (3 والمعنى يقولون علمنا وآمنا
لأن الإيمان قبل العلم محال
إذ لا يتصور الإيمان مع الجهل وأيضا لو لم يعلموها لم يكونوا من الراسخين ولم يقع الفرق بينهم وبين الجهال
الثالث
ومن هذا الخلاف نشأ الخلاف في أنه هل في القرآن شيء لا تعلم الأمة تأويله قال الراغب (1) في مقدمة
تفسيره وذهب عامة المتكلمين إلى أن كل القرآن يجب أن يكون معلوما وإلا لأدى (2) إلى إبطال فائدة الانتفاع به وحملوا قوله) والراسخون (بالعطف على قوله) إلا الله (وقوله) يقولون (جملة حالية
قال ذهب كثير من المفسرين إلى أنه يصح أن يكون في القرآن بعض مالا يعلم تأويله إلى الله قال ابن عباس أنزل
الله القرآن على أربعة أوجه حلال وحرام ووجه لا يسع أحد جهالته ووجه تعرفه العرب ووجه تأويل لا يعلمه إلا الله
وقال بعضهم المتشابه اسم لمعنيين
¥