تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معرفة النزول وهو من أعظم المعين على فهم المعنى وسبق منه في أول الكتاب جملة وكانت الصحابة والسلف يعتمدونه وكان عروة بن الزبير قد فهم من قوله تعالى) فلا جناح عليه أن يطوف بهما (أن السعي ليس بركن فردت عليه عاشئة ذلك وقالت لو كان كما قلت لقال فلاجناح عليه ألا يطوف بهما وثبت أنه إنما أتى بهذه الصيغة لأنه كان وقع فزع في قلوب طائفة من الناس كانوا يطوفون قبل ذلك بين الصفا والمروة للأصنام فلما جاء الإسلام كرهوا الفعل الذي كانوا يشركون به فرفع الله ذلك الجناح من قلوبهم وأمرهم بالطواف رواه البخاري في صحيحه فثبت أنها نزلت ردا على من كان يمتنع من السعي

ومن ذلك قصة مروان بن الحكم سؤاله ابن عباس لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعبذن اجمعون فقال ابن عباس هذه الآيات

نزلت في أهل الكتاب ثم تلا) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه (وتلا) لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا (قال ابن عباس سألهم النبي صلى الله عليه وسلّم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سالهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه

وقد سبق فيه كلام في النوع الآول في معرفة سبب النزول فاستحضره ومن هذا ما قاله الشافعي في قوله تعالى) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما (انه لا متمسك فيها لمالك على العموم لأنهم سألوا رسول الله ? عن اشياء فأجابهم عن المحرمات من تلك الأشياء وحكاه غير سعيد بن جبير

السابع

السلامة من التدافع كقوله تعالى) وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين (فإنه يحتمل ان الطوائف لا تنفر من أماكنها وبواديها جملة بل بعضهم لتحصيل التفقه بوفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا رجعوا إلى قومهم أعلموهم بما حصل لهم والفائدة في كونهم لاينفرون جميعا عن بلادهم حصول المصلحة في حفظ من يتخلف من بعضهم ممن لا يمكن نفيره

ويحتمل أن يكون المراد بالفئة النافرة هي من تسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه وسراياه والمعنى حينئذ انه ما كان لهم ان ينفروا اجمعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه لتحصيل المصالح المتعلقة ببقاء من يبقى في المدينة والفئة النافرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفقه في الدين بسبب ما يؤمرون به ويسمعون منه فإذا رجعوا إلى من بقي بالمدينة اعلموهم بما حصل لهم في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من العلم والاحتمالان قولان للمفسرين

قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد والأقرب عندي هو الاحتمال الأول لأنا لو حملناه على الاحتمال الثاني لخالفه ظاهر قوله تعالى) ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه (وقوله تعالى) فانفروا ثبات أو انفروا جميعا (فإن ذلك يقتضي اما طلب الجميع بالنفير او أباحته وذلك في ظاهره يخالف النهي عن نفر الجميع وإذا تعارض محملان يلزم من احدهما معارضته ولا يلزم من الآخر فالثاني اولى ولا نعني بلزوم التعارض لزوما لا يجاب عنه ولا يتخرج على وجه مقبول بل ما هو اعم من ذلك فإن ما أشرنا إليه من الآيتين يجاب عنه بحمل) أو (في قوله) أو انفروا جميعا (على التفصيل دون التخيير كما رضيه بعض المتأخرين من النحاة فيكون نفيرهم ثبات مما لايدعون الحاجة الى نفيرهم فيه جميعا ونفيرهم جميعا فيما تدعو الحاجة اليه ويحمل قوله) ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله (على ما اذا كان الرسول هو النافر للجهاد ولم تحصل الكفاية الا بنفير الجميع ممن يصلح للجهاد فهذا اولى من قول من يقول بالنسخ

او ان تكون هذه الاية ناسخة لما اقتضى النفير جميعا

ومن المفسرين من يقول عن منع النفير جميعا حيث يكون رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمدينة فليس لهم ان ينفروا جميعا ويتركوه وحده

والحمل ايضا على هذا التفسير الذي ذكرناه اولى من هذا لآن اللفظ يقتضي ان نفيرهم للتفقه في الدين والإنذار ونفيرهم مع بقاء رسول الله عليه الصلاة والسلام بعدهم لايناسبه التعليل بالتفقه في الدين اذ التفقه منه عليه الصلاة والسلام وتعلم الشرائع من جهته فكيف يكون خروجهم عليه معللا للتفقه في الدين

ومنه قوله تعالى) فاتقوا الله ما استطعتم (فإنه يحتمل ان يكون من باب التسهيل والتخفيف ويحتمل ان يكون من باب التشديد بمعنى انه ما وجدت الاستطاعة فاتقوا أي لاتبقى من الاستطاعة شيء

وبمعنى التخفيف يرجع الى ان المعنى فاتقوا الله ماتيسر عليكم او ما امكنكم من غير عسر قال الشيخ تقي الدين الفشيري ويصلح معنى التخصيص قوله عليه الصلاة والسلام" اذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "


الزركشي
البرهان قي علوم القرآن
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير