(إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [سورة الأعراف: 11 - 12]، فأخبر جل ثناؤه أنه قد أمر إبليس فيمن أمرَه من الملائكة بالسجود لآدمَ. ثم استثناه جل ثناؤه مما أخبر عنهم أنهم فعلوه من السجود لآدمَ، فأخرجه من الصفة التي وصفهم بها من الطاعة لأمره، ونفى عنه ما أثبته لملائكته من السجود لعبده آدم.)
وفي قول علمنا البحر الفذ الطبري كفاية لمن عقل
الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[10 - 08 - 2005, 01:15 ص]ـ
أحسنت أخي جمال ..
ولقد سمعت ذات مرة شرحاً ممتعاً لمعنى الاستثناء المتصل والاستثناء المنقطع والفرق بينهما، من شيخ كريم، فأسوقه هنا للفائدة:
الاستثناء في اللغة هو عبارة عن عملية (طرح) .. وكما أن عندنا في عملية الطرح ثلاثة أركان:
المطروح منه، والمطروح، وأداة الطرح ..
فهكذا هو الاستثناء:
مستثنى منه، ومستثنى، وأداة استثناء ..
ولننظر أولاً إلى الاستثناء من الناحية (البلاغية)، قبل أن نخوض فيه من الناحية النحوية ..
و لكي ندخل في الموضوع، نطرح المثال التالي:
(جمال) رجل طيب أتى من القدس .. وحطّت به الرحال في (الطيبة)، وهم كلهم أبناء قبيلة واحدة إلا (جمال) .. وأقام (جمال) بينهم سنين وسنين حتى أصبح واحداً منهم ..
في يوم من الأيام .. قامت (قلنسوة) بغزوة على (الطيبة)، وقبل أن تصل قبيلة (قلنسوة) إلى مضارب قبيلة (الطيبة)، وصلت الأخبار إلى شيخ قبيلة (الطيبة)، ونادى القبيلة نداء عامّاً، فقال: (ياقوم هبّوا لنقاوم قبيلة قلنسوة)، فقاموا كلهم ..
وهنا نسأل سؤالاً: عندما ينادي شيخ القبيلة القوم، ويسمع (جمال) الذي من طول مقامه فيهم أصبح كأنه واحد منهم .. هل يلزمه أن يلبّي أم لا؟
طيب .. إذا لم يلبّ (جمال) نداء شيخ القبيلة .. وسأل شيخ القبيلة: من قاتل معنا؟ فقال أحد الرجاجيل: والله طال عمرك كل القبيلة قامت إلا جمال ..
فكل القبيلة (مستثنى منه) ـ جمال (مستثنى) ـ إلا (أداة استثناء)
وهنا نقف قليلاً .. لندخل في الناحية النحوية:
الاستثناء هذا ما هو نوعه؟ هل متّصل أم منقطع؟
الجواب: متصل ..
لأن المستثنى هنا هو جزء من المستثنى منه ..
طيب ..
افترضوا أن قبيلة (قلنسوة) قتلوا كل قبيلة (الطيبة) إلا حماراً!!
ماذا أقول؟؟
قرأتم كلامي؟؟
لقد اسثنيت الحمار من القوم!!
هل لاحظتم؟
هل الحمار هو جزء من القوم؟
لا طبعاً ..
هل هذا الاستعمال صحيح؟
بكل تأكيد والعرب كانت تستخدمه ..
وهذا هو الاستثناء المنقطع ..
كل القبيلة (مستثنى منه) ـ حماراً (مستثنى) ـ إلا (أداة استثناء)
وإذا نظرنا إلى الآية من جديد، نجد ما يلي:
لو حملناها على كونها مستثنى متصل، فبالاعتبار الأول ..
ولو حملناها على كونها مستثنى منقطع، فبالاعتبار الثاني ..
وهكذا نعلم أنه لا تناقض على جميع الاحتمالات ..
ولذلك أيضاً لم يعترض العرب عليها، لأنهم يستعملون هذا الاستعمال في لغتهم ..
أرجو أن تكون المعلومة قد وصلت ..
ـ[الضاد1]ــــــــ[10 - 08 - 2005, 10:33 م]ـ
بارك الله بكم جميعاً
أخي لؤي: أفصحت فبينت
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 08 - 2005, 10:50 م]ـ
لؤي لم يفصح فقط
بل جاء بما أدهشني وزاد من إعجابي بدقة ومتانة كلامه
ـ[الامين]ــــــــ[11 - 08 - 2005, 01:16 م]ـ
الأخوة الأعزاء، السلام عليكم. اسمحوا لي بهذه المداخلة البسيطة وهي: إنَّ للعلماء والمفسرين كلاما في حقيقة إبليس، فعن جمع: إنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن، اتصف ببعض صفات الملائكة.
واستدلوا بقوله تعالى: (وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) الكهف 50
وإنه تعالى بين حقيقته في ما حكاه الله تعالى عنه (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)
الاعراف 12 وحينئذ يكون الاستثناء منقطعاً.
وعن جمع آخرين: انه كان من الملائكة، وتمسكوا بظاهر الآية فإنه كان مشمولاً لأمره تعالى للملائكة بالسجود فيكون الاستثناء متصلاً.
والصحيح من هذين الاحتمالين هو الاول: لصريح القرآن حيث ورد بانه ما كان من جنس الملائكة وإن كان في صفوفهم، بل كان من طائفة الجن، وهي مخلوقات مادية. قال تعالى: (فَسَجدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ) واما شموله للأمر لا يستدعي كونه منهم، فانه ذات خبيث مفسد فكيف يكون منهم وقد اقتضت الحكمة الالهية في خلقه، لمصالح ليس في وسع البشر دركها كما في سائر ما خلقه تعالى، ولعل منها أنه أحد طرفي الاختيار في الانسان فإن الله يدعو الى الجنة والمغفرة وهو يدعو الى النار، والانسان بينهما فإن شاء لبَّى دعوة الله إن شاء لبَّى دعوة الشيطان
أعاذنا الله تعالى من شره وشروره.
¥