تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا تكن من الكافرين* قال سآوي إلى جبلٍ يَعصمني من الماء، قال لا عاصمَ اليومَ من أمرِ اللهِ إلاَّ مَن رَحِمَ. وحالَ بينهما الموجُ فكان من المُغرَقين* وقيل يا أرضُ ابلَعي ماءكِ ويا سماءُ اقلِعي. وغِيضَ الماءُ وقُضي الأمرُ واستَوتْ على الجُودِيّ، وقيلَ بُعداً للقوم الظالمين (هود / الآيات 40 ـ 44.

فهذه الآيات تفصّل القول في قصة "الطوفان" دون أن تسميه، كما تشير الآيات الأخيرة إلى أن السفينة استقرّت على "الجودي" .. هكذا أطلق القرآن الكريم اسم "الجودي" على هذا الجبل التي استوت عليه سفينة نوح ... وفي اسم هذا الجبل أقوال تختلف لفظاً باختلاف الأمم التي تعاقبت عليه، وأطلقت كل أمة عليه اسماً وفق لغتها، لكن جميع هذه الأسماء حدّدت له مكاناً مخصوصاً معلوماًن نذكر منها ما جاء في الكتاب المقدس: (وكان الطوفان أربعين يوماً على الأرض، وأَجاءَ اللهُ ريحاً على الأرض، فهدأت المياه وانسدّت ينابيع الغّمْر، ورجعت المياه عن الأرض واستقرّ الفُلك على أراراط (التكوين /7 ـ 8.

وآراراط هذا لفظ عِبريّ مأخوذ من أصل أكادي (أورارطو) أُطلق على منطقة جبلية في آسية، وهي أعلى مكان في هضبة أرمينية، وعلى أحد هذه الجبال استقرّ فُلك نوح، وقمة هذا الجبل يطلق عليها "أرارات"، واسمها في التركية "اغري داغ" (4)، ويقول ابن الأثير: ( ... انتهت السفينة إلى الجودي، وهو جبل بناحية "قردي" (5) قرب الموصل) (6)، فالجودي جبل في "أرارات" يقع شمال العراق، ولفظ "أرارات" في النصوص الآشورية جاء بصيغة "أورارتو"، ولفظ الجودي في اللغة البابلية والكلدانية من "جدا ـ جوديا" أي علا وشب وارتفع. قال ياقوت الحموي: " ... واستقرّت السفينة على الجودي ... فلما جفّت الأرض خرج نوح ومن معه من السفينة وبنى مسجداً ومذبحاً لله تعالى وقرّب قرباناً، هذا لفظ تعريب التوراة حرفاً حرفاً، ومسجد نوح (موجود إلى الآن، بالجوديّ) (7).وجاء في دائرة المعارف الإسلامية ( ... الجُوديّ جبل شامخ في الشمال الشرقي لجزيرة ابن عُمر، وترجع شهرة هذا الجبل إلى استواء سفينة نوح عليه، وجاء في الكتاب المقدس: أن الفُلك استقر على جبل أرارات، هذا الجبل يعرف بـ (ماسيس) في أرمينيا، وتذهب بعض التفاسير الدينية إلى أن الجبل المعروف بجبل الجودي هو بالأرمينية "كردخ" كما تقول المصادر النصرانية، وهو المكان الذي استقر عليه فُلك نوح) (8).

وجاء في الصفحة 691 من المجلد الأول للموسوعة الأرمنية: "إن لأرارات ثلاثة أسماء هي: الجودي، قردى، أرارات". وقال القرطبي: (الجودي: اسم لكل جبل ... ويقال إنّ الجُوديّ من جبال الجنة، فلهذا استوت عليه [السفينة]، ويقال: أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر: الجوديّ بنوح، وطُور سِيناء بموسى، وحراء بمحمدٍ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) (9).

وقال الفيروز أبادي: "الجوديّ جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح (" (10)). كما وردت قصة الطوفان لدى البابليين في ملحمة "جلجامش". وجاءت قصة الطوفان في التوراة: "إن عدداً من البشر ازدادوا فكثرت شرورهم وآثامهم فعزم الرب على محو الجنس البشري وأمر نوحاً أن يصنع سفينة ضخمة يُدخِل فيها من كل زوجين اثنين، أهله وزوجاته وأبناءه ثم كان الطوفان". وقال الحميري: (جبل الجودي بالجزيرة وهو قبل "قردي" وحدّث من رآه أنه ثلاثة أجبل بعضها فوق بعض .... وهناك بيعتان للنصارى ومسجد للمسلمين ... وفي أسفل هذا الجبل مدينة "ثمانين") (11).

وذهب الأخباريون والمؤرخون ورجال التاريخ القدامى مذهباً بعيداً، فيه شيء من التمحل والتعسف، فذكروا في تاريخ ركون نوح ومن معه من الناجين في السفينة وفي تاريخ استوائها ورسوّها على الجودي أقوالاً لا يُطمأن إليها، فقالوا: كان ركوب نوح ومن معه في السفينة لعشر خلون من رجب، وكان خروجهم منها بعد استوائها على الجودي في العاشر من شهر المحرم أي في عاشوراء، فالشهور العربية في الجاهلية كانت شهوراً منسوبة إلى عاد أو إلى ثمود، وكانت بأسماء أخرى غير هذه الأسماء المعروفة اليوم، فضلاً عن النسيء الذي كانوا يؤرخون به شهراً ويقدمون شهراً آخر ..

نخلص من هذه الأقوال إلى النتائج التالية:

ـ الطوفان حادثة كونية وقعت في زمن نوح (أيدتها الكتب الدينية المقدسة، ورجال العلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير