تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعند إمعان النظر في هذه القصص، نلاحظ أن معاني قصّة آدم عليه السلام تنعكس على ما قبلها وعلى ما بعدها من القصص بشكل تناظري عجيب رائع، وبيان ذلك فيما يلي:

قصّة أصحاب الكهف، وقصّة صاحب الجنتين:

هاتان القصّتان تتعلّقان بقوم من عامّة الناس ..

فأصحاب الكهف فتية من عامّة الناس، ابتلاهم الله تعالى باضطهاد الملك الوثني، فصبروا على فراق أهلهم وديارهم، وعلى العيش في كهف مظلم لا تدخله الشمس .. وقد لجؤوا إلى الكهف بأبدانهم، لكنهم لجؤوا إلى الله ورحمته بقلوبهم " فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا " (الكهف: 16)، مؤمنين بأن لا ملجأ إلا إلى الله .. فكانوا ناجحين في ابتلاء الصبر بلجوئهم إلى الله تعالى.

وأما صاحب الجنتين، فهو من عامّة الناس أيضاً، وقد ابتلاه الله ابتلاء شكر، فأغدق عليه النعم الدنيوية من شجر وزرع وماء، لكنه لم يشكر الله، ولجأ إلى هواه وإلى متاع الدنيا معتقداً أنه لن يفنى " قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً " (الكهف: 35 - 36)، فكفر باليوم الآخر، ودفعه هواه إلى الاستعلاء على صاحبه الفقير المؤمن، فقال: " أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا " (الكهف: 34). وهكذا أخفق هذا الرجل في ابتلاء الشكر.

قصّة آدم عليه السلام:

تمتاز قصّة آدم عليه السلام بأهمية خاصّة، فبعد أن أسكنه الله تعالى - هو وزوجه – الجنة وأباح له الأكل من جميع أشجارها إلا شجرة واحدة حرّمها عليه، فكان في تحريم هذه الشجرة ابتلاء له: وهو ابتلاء ذو شقّين: أولهما ابتلاء شكر، وليس الشكر مجرد قول (أشكرك) للمنعم، بل الشكر الحقيقي تصرف وسلوك يرضيه بهما. فهل يشكر آدم ربّه على نعمتي العلم والجنة، فيطيع ربّه؟ وأما ثانيهما، فابتلاء صبر: فهل يصبر آدم عن الأكل من الشجرة المحرّمة؟ وهل يصمد أمام إغراء الشهوة والهوى؟ وهل يصمد أمام استدراج الشيطان الذي حذّره الله تعالى منه قائلاً: " إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى " (طه: 117)؟

إن أبانا آدم عليه السلام لم يصبر عن الأكل من الشجرة، فأخفق في ابتلاء الصبر، وهو يكون بذلك قد أخفق في ابتلاء الشكر، لأنه قابل نعم ربه عليه بالعصيان. ومن ناحية أخرى، فإن قصّة آدم تتناول مبدأ التكليف وحمل المسؤولية وما يتبعه من عقاب وثواب. إنها تقرّر مبدأ الحلال والحرام. فأشجار الجنّة حلال لآدم إلا شجرة واحدة محرّمة عليه، فإن أكل منها أصابه العقاب، وهو الطرد من الجنة. ونحن الآن نعيش حياة المسؤولية هذه، وحياة الحلال والحرام ووقوع آدم عليه السلام في الخطأ يشير إلى أصالة الخطأ في الطبيعة البشرية.

قصّة موسى والعبد الصالح، وقصّة ذي القرنين:

تقع هاتان القصّتان بعد قصّة آدم عليه السلام، وتتعلّقان برجلين من خاصّة الناس، فموسى عليه السلام ليس كسائر الناس، بل هو نبي مرسل اختصّه الله تعالى بمقام روحاني سامٍ. وذو القرنين ليس كسائر الناس، بل هو ملك عظيم حكم كثيراً من الشعوب.

أما قصّة موسى عليه السلام، فهي قصّة ابتلاء وصبر، إذ أرسله الله تعالى إلى العبد الصالح " قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا " (الكهف: 67)، وهذا ما حدث فعلاً. إذ حدثت ثلاثة أحداث، تصرّف العبد الصالح أثناءها تصرّفات أثارت موسى عليه السلام. فقد خرق سفينة المساكين وقتل غلاماً بريئاً ودعم جداراً دون أجر لقوم لئام أبوا أن يضيّفوهما. وكان موسى عليه السلام يعترض في كل مرة على العبد الصالح رغم وعده له ألا يفعل. وهكذا أخفق موسى في ابتلاء الصبر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير