ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 05:55 ص]ـ
بارك الله في الأخت أنوار الأمل على هذه اللفتات الجميلة الرائعة من البيان القرآني العظيم ..
واسمحي لي - حفظك الله - أن أتوسّع بعض الشيء في شرح ما جاء في إضاءاتك القيّمة ..
ذلك أن في آية التوبة، وفي حذف حرف الجر منها في وصف الجنات .. سموّ في التعبير وروعة في البيان .. لا نجد لهما مثيل في غير هذا القرآن ..
ومع أن أخانا عمار اختار آية البقرة للاستدلال على ذكر حرف الجر في وصف الجنات، إلا أنني آثرت المقارنة هنا بين قوله تعالى: " وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (التوبة: 96)، وبين قوله عزّ من قائل في السورة نفسها: " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (التوبة: 100).
فمع أن هاتين الآيتين جاءتا في سورة واحدة، ومع أن موضوعهما واحد، وهو إدخال المؤمنين جنات النعيم يوم القيامة، إلا أن التعبير بينهما لم يكن واحداً .. وإذا ما حاولنا تفكيك عناصر كل واحدة من هاتين الآيتين الكريمتين، فسنجد مظاهر متعدّدة من الاختلاف في التعبير بينهما، نذكر منها ما يلي:
1) قال في الأولى: " جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ"، وقال في الثانية: " جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الأَنْهَارُ"، فحذف حرف الجرّ (من).
2) أخبر عن الرضى في الأولى بالجملة الاسمية، فقال: " وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ "، بينما أخبر عنه في الثانية بالجملة الفعلية، فقال: " رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ".
3) جاء في الأولى بضمير الفصل، فقال: " ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "، فأكّد الفوز هنا، ولم يؤكّده بضمير الفصل في الثانية، فقال: " ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ".
4) ذكر في الأولى زيادة على الجنات ما هو أكبر منها، ألا وهو رضوان الله، فقال: " وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ "، أي: أكبر من الجنات وملذاتها ونعيمها، ولم يذكر شيئاً من هذا في الثانية.
5) زاد على الجنات - في الأولى - ذكر المساكن الطيبة، فقال: " وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ "، حيث ذكر هنا الجنة وذكر علاوة على ذلك المساكن الطيبة، ولم يذكر هذه الجملة في الثانية.
6) اكتفى في الأولى بالإخبار عن خلود المؤمنين في الجنة، فقال: " خَالِدِينَ فِيهَا "، بينما وصف الخلود في الآية الثانية بأنه أبديّ، فقال: " خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ".
7) أخّر الرضى في الأولى على إدخالهم الجنات، فقال: " تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ "، وقدّم الرضى في الثانية على الجنّات، فقال: " رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ".
8) أخبر في الأولى عن ذلك النعيم بلفظ الوعد، ووعد الله متحقّق، فقال: " وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ "، وأخبر عن ذلك في الثانية بلفظ الإعداد، فقال: " وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ".
9) الوعد في الأولى مستأنف وليس معطوفاً على ما قبله، بينما إعداد الجنات للمؤمنين في الثانية معطوف على ما قبله، وهو رضى الله عنهم، قال تعالى: " رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ".
¥