تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

10) ذكر المؤمنين والمؤمنات في الأولى بالوصف العامّ، وهو الإيمان، ونصّ على الذكور والإناث، فقال: " وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ "، بينما خصّص في الثانية المؤمنين بانهم سابقون أوّلون من المهاجرين، وسابقون أوّلون من الأنصار، وتابعون لهم بإحسان، فقال: " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ".

11) الموقع الإعرابي (للمنعَّمين) في الآية الأولى منصوب، لأنه مفعول به أول: " وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ "، بينما موقعهم الإعرابي في الثانية مرفوع، لأنه مبتدأ: " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ... رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ".

هذه بعض مظاهر للفروق في التعبير بين الآيتين، ولا يتّسع المجال للحديث عن كل واحد منها، مع أن لكل واحد منها توجيه وتبيين وتعليل .. ولكن وقفتنا هنا ستكون في البحث عن الحكمة من ذكر حرف الجر في الآية الأولى وحذفه من الثانية، والظاهر أن ذلك كان لجملة أسباب، منها ما يلي:

أولاً: النعيم في الآية الأولى أعظم منه في الآية الثانية، ولهذا أُدخلت (من) على شبه الجملة: " جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ". وبما أن النعيم في الآية الثانية أقلّ، لذلك حُذفت (من) من شبه الجملة: " جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ". وبيان ذلك أن (من) ابتدائية، فمعنى قوله تعالى: " جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ "، أن ابتداء جريان الأنهار من تحت أشجار تلك الجنات، أي: الأنهار تتفجّر تفجّراً من تحتها، وتنبع من تحتها، ثم تسير في مجاريها إلى أماكن أخرى.

ولا شكّ أن منظر تفجّر الأنهار ونبعها أجمل، وأن نعيم ذلك المكان الذي ابتداء منبعها وجريانها منه أكمل وأفضل، والذي دلّ على هذا التخصيص في الإنعام (من) الابتدائية: " تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ".

أما الجنات الأخرى المذكورات في الآية الثانية، فإن نعيمها أقلّ. لأن الأنهار تمرّ بها مروراً، وتجري فيها جرياناً، وتتجاوزها إلى جنّات أخرى، فجمال جريان الأنهار ومرورها هنا أدنى وأقلّ من جمال تفجّرها، ولهذا حُذفت (من) من الجنّات الأخريات: " جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ".

ثانياً: الدليل على أن الجنات في الآية الأولى أفضل وأكرم من الجنات في الآية الثانية، هو المؤمنون المنعّمون الذين يدخلونها .. إن هؤلاء المؤمنين المنعّمين أفضل وأكرم من المؤمنين الذين يدخلون الجنات في الآية الثانية. قال الله تعالى عن الصنف الأول من المؤمنين: " وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ". ووصف الإيمان المذكور في الآية وصف عامّ، وهو يشمل جميع أنواع المؤمنين الصالحين، وفي مقدّمة هؤلاء الأنبياء والمرسلون.

ولا شكّ أن الأنبياء والمرسلين أفضل وأكرم من سائر المؤمنين، ولذلك أعطاعم الله تعالى مزيداً من الفضل والتكريم، وجاء الكلام عن جناتهم ونعيمهم خاصّاً، فذُكرت (من) الابتدائية، الدالّة على تفجّر الأنهار تفجيراً من تحت جناتهم: " جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ".

ثالثاً: أما الصنف الثاني من المؤمنين المذكورون في الآية الثانية، فقد قال الله تعالى عنهم: " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ "، وهذا تخصيص لهم. فهم ثلاثة أقسام: سابقون أوّلون من المهاجرين، وسابقون أوّلون من الأنصار، وتابعون لهم بإحسان. وهؤلاء مؤمنون مخصوصون بأنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا معناه أنه ليس فيهم نبي ولا رسول. إذن هم أدنى درجة من الصنف الأول المذكور في الآية الأولى، لدخول الأنبياء والرسل فيها، وعدم دخولهم في الآية الثانية.

ولذلك جاء نعيم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان أدنى درجة من نعيم المؤمنين الأنبياء والمرسلين، ولذلك كانت الأنهار تجري (تحت) جنات هؤلاء المؤمنين، وتمرّ فيها مروراً، بينما هذه الأنهار (تجري من تحت) جنات المؤمنين الأنبياء، وتنبع منها نبعاً، وتتفجّر منها تفجّراً.

فسبحان الذي لا يصل إلى مستوى كلامه كلام، بل كلامه يعلو على كل كلام ..

هذا والله تعالى أعلم

رجل موسوعي يساوي مليون رجل--بارك الله بك

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 02:16 م]ـ

الأخ جمال .. حفظه الله

شكر الله لكم كلماتكم الطيّبة ..

على أن ما جاء في مقالتي - أخي الكريم - ما هي إلا زهور اقتطفتها من موسوعات علمائنا الأفاضل ..

فهم الذين أبحروا وغاصوا في محيطات القرآن الكريم ..

وخلفوا لنا من العلوم والمعارف ما لا نجده في أي تراث آخر، ولا عند أية حضارة أخرى على وجه الخليقة.

فقد امتازوا بالذكاء الباهر، ودقّة الاستنتاج، وتوليد المعاني، وسيلان القلم، والاطلاع الواسع على جميع العلوم، الدينية منها والدنيوية.

فنسأل الله أن يدخلهم برحمته في جنات تجري من تحتها الأنهار، وأن يثيبهم عنا وعن الإسلام والمسلمين أفضل الثواب وخير الجزاء .. على ما خلفوه لنا من علوم ومعارف لا تُحصى ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير