ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 02:56 م]ـ
نضّر الله وجهك أيها الأخ الكريم ..
ونسأله سبحانه أن يطيل يدك في الخيرات، ويزيد في همّتك رغبة في اصطناع المُكرَمات، ويجريك على أحسن العادات في تقديم طلاب العلم وأهل البيوتات ..
فما عهدنا من روايتك إلا ما يشوقنا إلى رؤيتك ..
ودمتم لنا سالمين ..
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 09:07 م]ـ
العزيز لؤي:
حضوركم يسعدني كثيرا.
رعاكم الله سالمين من كل مكروه.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[24 - 08 - 2005, 08:52 م]ـ
أواصل معكم الرحلة البلاغية في رياض الآية الكريمة المتقدمة:
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود
من الجوانب البلاغية التي يلمسها المتأمل في هذه الآية:
- إفراد الماء, وفي ذلك إشارة إلى أن الماء لم يحصل من تكاثر المياه واجتماعها, بل هو نوع واحد حصل بأمر الله سبحانه وتعالى.
- إفراد أرض, وفي ذلك إشارة إلى شمولية هذا الماء كل الأرض.
- " يسماء اقلعي "
في هذا المقطع القرآني مجاز مرسل , علاقته السببية, وتقديره يامطر السماء اقلع.
- " يا أرض ابلعي ماءك ":
في إضافة الماء إلى الأرض مجاز, تشبيها لاتصاله بها اتصال الملك بالمالك, كما أن فيه تنبيه على أن الأرض مصدر حدوث هذا الماء أيضا.
- في الآية فن بلاغي وهو الإرداف:
المقصود بالإرداف وهو أن يريد المتكلم معنى ولا يعبر عنه بلفظ الموضوع له, ولا بدلالة الإشارة بل بلفظ يرادفه.
المثال الأول: " وقضي الأمر "
والأصل: وهلك من قضى الله هلاكه ونجا من قضى الله نجاته.
إن في استخدام لفظ الإرداف إيجاز وتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع وقضاء من لا يرد قضاؤه والأمر يستلزم آمرًا فقضاؤه يدل على قدرة الآمر به وقهره.
المثال الثاني: " واستوت على الجودي "
حقيقة ذلك جلست فعدل عن اللفظ الخاص المعنى إلى مرادفه لما في الاستواء من الإشعار بجلوس مستقر لا ميل فيه وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس.
وللبحث بقية:
ـ[الضاد1]ــــــــ[24 - 08 - 2005, 09:29 م]ـ
أخي أبا طالب
بما أن:
قضي الأمر الأصل فيها: وهلك من قضى الله هلاكه ونجا من قضى الله
نجاته.
ولكن هلك من قضى الله هلاكه ونجا من قضى الله نجاته قبل أن تبلع الأرض ماءها وقبل أن تقلع السماء ومع ذلك جاءت بعدها في ترتيب الأحداث ... فما الوجه البلاغي في ذلك؟ والله أعلم ... بارك الله بك
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[24 - 08 - 2005, 11:26 م]ـ
العزيز عمار:
في بلع الأرض للماء وإقلاع السماء تبدأ المرحلة الأخيرة من الطوفان (المرحلة المعاكسة لمسيرة بدء الطوفان, فالحدث لم ينته بعد, حيث أن حدث الطوفان ينقسم إلى قسمين:
- المرحلة الأولى: إطغاء الأرض بالماء.
- المرحلة الثانية: انحسار هذا الإطغاء.
القرآن يشير إلى نتائج الحدث, فلم ينته حدث الطوفان بشكل كامل إلا بعد استواء السفينة على الجودي, حيث تم فيها اختتام المشهد الأخير من حدث الطوفان.
كما هو معتاد, فإن نتائج أي عمل, إنما يشار إليها في نهاية العمل, وليس في وسطه.
هل الإجابة واضحة.
ـ[الضاد1]ــــــــ[25 - 08 - 2005, 10:35 م]ـ
أجل، إنها واضحة ووصلت الفكرة وبارك الله بك
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[27 - 08 - 2005, 10:00 م]ـ
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود
إكمالا لما تقدم حول هذه الآية الشريفة:
فن الاحتراس:
ويسمى أيضا بالتكميل
(وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
في هذا المقطع جانب بلاغي - الاحتراس - ففيه إشارة إلى أن ذلك الطوفان بصورته المرعبة لم يكن عبثا, و إنما هو عقاب لأولئك الظالمين المكابرين, لئلا يتوهم أحد أن هذا العذاب جاء إلى من لا يستحقه, وفي هذا إشارة إلى عدل الله وأن أفعاله تصدر بحكمة, فهذا العذاب جزاء لهم على استكبارهم واستعلائهم على الله تعالى.
لإعطاء مزيد من الإيضاح حول فن الاحتراس, أفيد بما يلي:
الاحتراس لغة: هو التحفظ في انتباه وتيقظ. (1)
والمقصود به: ذكر معنى فيه غموض ثمّ الإتيان بما يزيل هذا الغموض. (2)
أي بعبارة أخرى: تقييد الكلام بنكتة تدفع وهماً.
يعتبر الاحتراس أحد أسباب الإطناب, وأحد فنون علم المعاني.
ومن شواهد الاحتراس الأخرى في القرآن الكريم:
" وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء" (3)
فقوله تعالى (من غير سوء) احتراس من توهم البرص وغيره.
والاحتراس فن معروف, ومن شواهده قول المتنبي:
ويحتقر الدنيا احتقار مجرب
يرى كل ما فيها , وحاشاك, فانيا
فقوله (وحاشاك) احتراس من دخوله في كل من فيها.
وقول طرفة بن العبد (4):
فسقى ديارَك ـ غير مفسدها ـ
صوْبُ الربيع وديمة تهمي
فقوله (غير مفسدها) احتراس عن المطر المسترسل الذي يسبب الخراب والدمار.
وقول نافع الغنوي:
رجال إذا لم يقبل الحق منهم
ويُعطوه عاذوا بالسيوف القواضب
الاحتراس في قوله (يعطوه) , فمجيء الشاعر بهذه الكلمة تفيد أن قومه لا يلجأون إلى الحرب إلا إذا منعوا حقوقهم, وفي ذلك دفع لوهم من توهم أنهم يحملون سيوفهم, وينزلون ساحة الحرب, إذا لم يقبل الحق منهم.
سأتناول فن الاحتراس في القرآن الكريم بشكل مستقل في الأبحاث القادمة.
-------
(1) ابن منظور، لسان العرب، مادة حرس. 6/ 48.
(2) القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص 195.
(3) النمل: 50
(4) ديوان طرفة بن العبد، ص 88, العسكري، الصناعتين، ص 390، وابن رشيق.
ولا زلنا نسبح في بحر الآية الكريمة:
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود
¥