ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[09 - 10 - 2005, 03:21 ص]ـ
العزيز جمال:
أنا لم أقل أنه يمكن استبدال الكلمة يسلب بالكلمة يختلس في القرآن الكريم, فالكلمة يسلب أقل اخصر من الكلمة يختلس, كل ما أشرت إليه هو بيان معنى السلب كما أشارت إليه معاجم اللغة المعتبرة, والتي هي محل الاحتكام في الخلاف.
للكلمة استخدامان: حقيقي ومجازي.
استخدام الكلمة (يسلب) هنا حقيقة لا مجازا.
في الاستخدام الحقيقي للكلمة نرجع إلى معاجم اللغة المعتبرة للوقوف على معناها.
قلتم أخي الكريم:
ا" لِاخْتِلَاسُ وَالْخَلْسُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ مُخَادَعَةً عَنْ غَفْلَةٍ. قِيلَ الِاخْتِلَاسُ أَسْرَعُ مِنْ الْخَلْسِ، وَقِيلَ الِاخْتِلَاسُ هُوَ الِاسْتِلَابُ. وَيَزِيدُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ جَهْرًا مَعَ الْهَرَبِ بِهِ سَوَاءٌ جَاءَ الْمُخْتَلِسُ جِهَارًا أَوْ سِرًّا، مِثْلُ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى مِنْدِيلِ إنْسَانٍ فَيَأْخُذَهُ)
ففي هذا المقطع " ... وَقِيلَ الِاخْتِلَاسُ هُوَ الِاسْتِلَابُ "
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[11 - 10 - 2005, 03:59 ص]ـ
" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " - الحج:73
نجد في هذه الآية تهيئة للمستمع لتلقي الخطاب الصادر من الله سبحانه وتعالى.
تأملوا افتتاحية الخطاب بأداة النداء (يا) والتي تفيد طلب الإقبال, ثم مجيء (أيها) بعدها, والتي تستخدم للتنبيه, وكأنه خطاب للناس كي ينتبهوا من غفلتهم, ثم جاء بـ (فاستمعوا) كي يوجد لدى المخاطبين استعداد لإدراك فهم الخطاب, ولم يكتف بذلك بل جاء بالكلمة (له) وذلك لبيان أهمية الأمر المدعو له, و لإشعار المخاطبين بغفلتهم عن هذا الأمر الذي يقتضي الانتباه.
تأملوا كذلك مجيء الفعل (ضرب) في صيغة المبني للمفعول, وقد أشرت إلى أهمية ذلك الحديث حول الآية 44 من سورة هود.
كذلك تأمل استخدام " تدعون " بدل " تعبدون " لا رتباطها القوي بالحديث المشار إليه, وهو الاستخفاف بعقول هؤلاء المشركين الذين يدعون من يمتلك كل سمات الضعف والعجز.
هذه بعض الإشارات الجمالية في هذه الآية, وليست كلها, فهناك مواطن جمال أخرى في الآية الشريفة.
وقبل أن أنهي رحلتي مع هذه الآية, أدعوكم لتأمل الآية التي بعدها:
" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز " - الحج:73 - 74
تأملوا المقطعين:
" ضعف الطالب والمطلوب "
الذي يشير إلى ضعف الألهة وعجزها.
" إن الله لقوي عزيز "
الذي يشير إلى قوة الله وعظمته, وأنه قادر لا مثيل لقدرته, فهو ليس كتلك الآلهة التي يعبدها المشركون, العاجزة عن خلق ذباب واحد أو إستنقاذ ما سلبه الذباب منها.
قد جاء سبحانه بالبيان القرآني " إنه لقوي عزيز " تتمة لما أشار إليه في الآية السابقة, حيث وصف نفسه بالقوة والعزة فأفاد أنه قوي لا يعتريه ضعف, وعزيز لا تناله ذلة, خلافا لتلك الآلهة المزعومة التي تتسم بالضعف والذلة, فتأمل روعة التعبير القرآني.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[15 - 10 - 2005, 09:12 م]ـ
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " الإسراء: 88.
تأملوا هذه الآية وقارنوها بهذه الآية:
" يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " - الرحمن: 33
إن أول فارق ندركه في هاتين الآيتين الشريفتين هو تقديم الإتس على الجن في الآية الأولى, وتقديم الجن على الإنس في الآية الثانية, فهل يوجد في ذلك سر؟
إن ترتيب كلمات الآيات تابع لأهميتها المعنوية, فالكلمات الأكثر أهمية تأتي أولا, حسب ما يقتضيه الواقع, وذلك يمثل أحد جوانب الإعجاز البلاغي في القرآن.
ماهو السبب في تقديم الإتس على الجن في الآية الأولى؟ , وتقديم الجن على الإنس في الآية الثانية؟
إن تقديم الإنس في الآية الأولى لم يأت جزافا, والسر يكمن في أن المصادمة الظاهرة والمباشرة كانت مع الإنس في هذه الناحية, وما حدث بين الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله - و المشركين خير شاهد على ذلك.
أما تقديم الجن على الإنس في الآية الثانية فلأن الجن أقرب من الإنس وأقدر منهم في العبور والنفوذ من نواحي السماء الأرض بما يمتلكونه من أمور خارقة وحركات سريعة, وسورة الجن خير شاهد على ذلك.
ونجد شاهدا آخر:
" وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون " - النمل: 17
إن حكومة نبي الله سليمان لم تكن حكومة عادية, بل كانت مقرونة بالمعاجز وما هو خارق للعادات , وحيث أن الحديث في هذه الآية كان عن حكومة نبي الله سليمان فقد قدم الجن على الإنس في هذه الآية لأن الحديث عن مظهر قوة غير عادية, والجن أقوى من الإنس في خرق العادات فلذلك جيء بذكرهم أولا.
تأملوا هذه الآية:
" وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " - الأنعام: 112
قدم الإنس على الجن في هذه الآية, لأن الآية تشير إلى أعداء الأنبياء, ومن المعروف أن شياطين الإنس أكثر تعرضا للأنبياء من شياطين الجن, وفي تتبع قصص الأنبيياء وما حدث لهم من إيذاء من أقوامهم لشاهد على ذلك, ولذا كان من المناسب تقديم الإنس على الجن.
فتقديم الكلمات وتأخيرها إنما هو خاضع لأهميتها المعنوية, والقرآن يأتي بالكلمات ذات الأهمية الأعظم في البداية, ثم يأتي بعدها الكلمات التي تليها في الأهمية وهكذا.
لا زلنا نسبح في بحر عظمة الآية الشريفة:
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " الإسراء: 88.
¥