الشبهة الثالثة: إنّ المتمتّع في النكاح المؤقّت لا يقصد الإحصان دون المسافحة، بل يكون قصده مسافحة، فإن كان هناك نوع مّا من إحصان نفسه ومنعها من التنقّل في دِمنِ الزنا، فإنّه لا يكون فيه شيء مّا من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كلّ طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل:
كرة حُذِفْت بصوالجة * فتلقّفها رجل رجل (16)
ويجاب عليها: أنّه من أين وقف على أنّ الإحصان في النكاح المؤقّت يختصّ بالرجل دون المرأة، فإنّا إذا افترضنا كون العقد شرعياً، فكلّ واحد من الطرفين يُحصن نفسه من هذا الطريق، وإلاّ فلا محيص عن التنقّل في دمن الزنا. والذي يصون الفتاة عن البغي أحد الأُمور الثلاثة:
1 - النكاح الدائم.
2 - النكاح المؤقّت بالشروط الماضية.
3 - كبت الشهوة الجنسية.
فالأوّل ربّما يكون غير ميسور خصوصاً للطالب والطالبة اللّذين يعيشان بمنح ورواتب مختصرة يجريها عليهما الوالدان أو الحكومة، وكبت الشهوة الجنسية أمر شاقّ لا يتحمّله إلاّ الأمثل فالأمثل من الشباب والمثلى من النساء; وهم قليلون، فلم يبق إلاّ الطريق الثاني، فيحصنان نفسهما عن التنقّل في بيوت الدعارة.
إنّ الدين الإسلامي هو الدين الخاتم، ونبيّه خاتم الأنبياء، وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع، فلابدّ أن يضع لكلّ مشكلة اجتماعية حلولا شرعية، يصون بها كرامة المؤمن والمؤمنة، وما المشكلة الجنسية عند الرجل والمرأة إلاّ إحدى هذه النواحي التي لا يمكن للدين الإسلامي أن يهملها، وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه:
ماذا يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم، وتمنعهم كرامتهم ودينهم عن التنقّل في بيوت الدعارة والفساد، والحياة الماديّة بجمالها تؤجّج نار الشهوة في نفوسهم؟ فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلاّ من عصمه الله، فلم يبق طريق إلاّ زواج المتعة، الذي يشكّل الحلّ الأنجع لتلافي الوقوع في الزنا، وتبقى كلمة الإمام علي بن أبي طالب ترنّ في الآذان محذّرة من تفاقم هذا الأمر عند إهمال العلاج الذي وصفه المشرّع الحكيم له، حيث قال عليه السلام:
«لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقيّ أو شقيّة»
وأمّا تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الرجل بحقيقة نكاح المتعة وحدودها، فإنّ ما جاء فيه هي المتعة الدورية التي ينسبها الرجل (17) وغيره إلى الشيعة، وهم براء من هذا الإفك; إذ يجب على المتمتّع بها بعد انتهاء المدّة الاعتداد على ما ذكرنا، فكيف يمكن أن تؤجّر نفسها كلّ طائفة من الزمن لرجل؟! سبحان الله! ما أجرأهم على الكذب على الشيعة والفرية عليهم، وما مضمون الشعر إلاّ جسارة على الوحي والتشريع الإلهي، وقد اتّفقت كلمة المحدّثين والمفسّرين على التشريع، وأنّه لو كان هناك نهي أو نسخ فإنّما هو بعد التشريع والعمل.
الشبهة الرابعة: إنّ الآية منسوخة بالسنّة، واختلفوا في زمن نسخها إلى أقوال شتّى:
1 - أُبيحت ثمّ نهي عنها عام خيبر.
2 - ما أُحلّت إلاّ في عمرة القضاء.
3 - كانت مباحة ونهي عنها في عام الفتح.
4 - أُبيحت عام أوطاس ثمّ نهي عنها (18).
ويجاب عليها: هذه الأقوال تنفي الثقة بوقوع النسخ، كما أنّ نسخ القرآن بأخبار الآحاد ممنوع جدّاً، وقد صحّ عن عمران بن الحصين أنّه قال: «إنّ الله أنزل المتعة وما نسخها بآية أُخرى، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها، ثمّ قال رجل برأيه»، يريد به عمر بن الخطّاب.
إنّ الخليفة الثاني لم يدّع النسخ وإنّما أسند التحريف إلى نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله عزّ وجلّ أو من رسوله، لأسند التحريم إليهما، وقد استفاض قول عمر وهو على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء.
بل نقل متكلّم الأشاعرة في شرحه على شرح التجريد أنّه قال: أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا أنهى عنهنّ، وأُحرمهنّ، وأُعاقب عليهنّ: متعة النساء، ومتعة الحج، وحيّ على خير العمل (19).
¥