وقد روي عن ابن عبّاس -وهو من المصرّحين بحلّية المتعة وإباحتها- في ردّه على من حاجّه بنهي أبي بكر وعمر لها، حيث قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
حتّى أنّ ابن عمر لمّا سئل عنها، أفتى بالإباحة، فعارضوه بقول أبيه، فقال لهم: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحقّ أن يتّبع أم أمر عمر؟
كلّ ذلك يعرب عن أنّه لم يكن هناك نسخ ولا نهي نبوي، وإنّما كان تحريماً من جانب الخليفة، وهو في حدّ ذاته يعتبر اجتهاداً قبالة النصّ الواضح، وهو ما انفكّ يعلن جملة من الصحابة رفضهم له وعدم إذعانهم لأمره، وإذا كان الخليفة قد اجتهد لأسباب رآها وأفتى على أساسها، فكان الأولى بمن لحقوه أن يتنبّهوا لهذا الأمر لا أن يسرفوا في تسويغه دون حجّة ولا دليل.
المنكرون للتحريم
ذكرنا أنّ مجموعاً من وجوه الصحابة والتابعين أنكروا هذا التحريم ولم يقرّوا به، ومنهم:
1 - عليّ أمير المؤمنين عليه السلام، فيما أخرجه الطبري بالإسناد إليه أنّه قال: «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ» (20).
2 - عبد الله بن عمر، أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر، قال -وقد سئل عن متعة النساء-: والله ما كنّا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زانين ولا مسافحين، ثمّ قال: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ليكوننّ قبل يوم القيامة المسيح الدجّال وكذّابون ثلاثون وأكثر» (21).
3 - عبد الله بن مسعود، روى البخاري عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل معيّن، ثمّ قرأ علينا: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرّمُوا طَيّباتِ ما أَحَلَّ الله لَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إنَّ الله لا يُحِبُّ المُعْتَدينَ» (22). (23).
4 - عمران بن حصين، أخرج البخاري في صحيحه عنه، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينزل قرآن يحرّمها، ولم ينه عنها حتّى مات. قال رجل برأيه ما شاء (24).
أخرج أحمد في مسنده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم تنزل آية تمنعها، ولم ينه عنها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتّى مات (25).
5 - كما أنّ الخليفة العباسي المأمون أوشك أن ينادي في أيام حكمه، بتحليل المتعة إلاّ أنّه توقّف خوفاً من الفتنة وتفرّق المسلمين. قال ابن خلّكان، نقلا عن محمّد بن منصور: قال: كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال يحيى بن أكثم لي ولأبي العيناء: بكّرا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا، وإلاّ فاسكتا إلى أن أدخل، قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه وأنا أنهى عنهما، ومن أنت يا جعل حتّى تنهى عمّا فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر رضي الله عنه؟! فأومأ أبو العيناء إلى محمّد بن منصور وقال: رجل يقول: من عمر بن الخطاب، نكلّمه نحن؟ فأمسكنا، فجاء يحيى بن أكثم فجلس وجلسنا، فقال المأمون ليحيى: ما لي أراك متغيّراً؟ فقال: هو غمّ يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام، قال: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنا، قال: الزنا؟! قال: نعم، المتعة زنا، قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله عزّ وجلّ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ) إلى قوله: (والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون*إلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيرُ ملومين*فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذَلِكَ فَأُوْلئِكَ هُمُ العادُونَ) (26) يا أمير المؤمنين زوج المتعة ملك يمين؟ قال: لا، قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا، قال: فقد صار متجاوز هذين من العادين (27).
¥