[القول في "التحيات لله" مثل القول في "الحمد لله"]
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[21 - 04 - 2008, 11:59 ص]ـ
:::
[القول في "التحيات لله" مثل القول في "الحمد لله"]
قال تعالى:
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الفاتحة 2)
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (أنعام 45)
... وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (يونس 10)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الصافات 182)
... وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الزمر 75)
... فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (غافر 65)
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من لم يحمد الناس لم يحمد الله".
فاللفظ المختص به الله سبحانه وتعالى هو "الحمد لله"، لكن اختصاص الله عز وجل بهذه العبارة لا يمنع أن يحمد الناس بعضهم بعضا كما يتبين من الحديث الشريف الذي ورد بألفاظ أخرى إذ روى الترمذي وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لا يشكر الناس لا يشكر الله وفي لفظ لأحمد وأبي داود وابن حبان: لا يشكر الله من لا يشكر الناس.
ولا يخفى على أي لغوي أن القول في "التحيات لله" هو مثل القول في "الحمد لله".
لقد تعرض الدكتور فاضل السامرائي في لمساته البيانية لشرح البلاغة والبيان في عبارة "الحمد لله"، وأعتقد أن ما أورده الدكتور الفاضل السامرائي بخصوص هذه العبارة ينطبق في معظمه على عبارة "التحيات لله" أيضا.
ومن شرح الدكتور السامرائي الذي أقتبسه بأدناه للفائدة نفهم قياسا أن العبارات مثل تحيتي وتحياتي تختص بالمتكلم، في حين أن عبارة "التحيات لله" مطلقة لا تختص بفاعل معين، فالتحيات له سبحانه وتعالى على وجه الإطلاق والخصوص.
فمن قال "تحيتي" أو "تحياتي" فإنما يخبر عن تحياته هو بغض النظر عن كون المخاطب مستحقا للتحية أو غير مستحق، في حين إذا قلنا "التحيات لله" فإن ذلك يفيد استحقاق الله للتحيات.
وأضيف قياسا إن عبارة "تحيتي" أو "تحياتي" ترتبط بزمن معين لأن لها دلالة زمنية معينة بحكم ارتباطها بالمتكلم الفاني، ولأن أقصى ما يستطيع المتكلم أن يفعله من التحية مرتبط بعمره، ولا يكون قبل ذلك ولا بعده، بينما "التحيات لله" مثل "الحمد لله" لا ينبغي أن تنقطع ولا أن تحد بفاعل أو بزمان، وهي عبارة مطلقة غير مقيدة بزمن معين ولا بفاعل معين فالتحية فيها مستمرة غير منقطعة مثلما هو الأمر في "الحمد لله".
وقياسا على ما جاء في تفسير الرازي بخصوص "الحمد لله" يمكننا أن نقول إن قول أحدهم "تحيتي" أو "تحياتي" يفيد كون القائل قادرا على التحية، أما قوله "التحيات لله" فيفيد أن "التحيات لله" بغض النظر عن قدرة قائل العبارة، لأن "التحيات لله" من الأزل إلى الأبد سواء أقيلت هذه العبارة أم لا. والعبارة بهذا الشكل تدل على الثبات والاستمرار.
وقياسا أيضا يمكننا أن نقول إن عبارة "التحيات لله" بهذا الشكل مثلها مثل عبارة "الحمد لله" تفيد أن التحيات حق لله وملك له، وأنه المستحق للتحيات لذاته كما هو مستحق للحمد لذاته "بسبب كثرة أياديه وأنواع آلائه على العباد".
وهناك أيضا فرق التعريف بـ "ال التعريف"، فالتعريف يفيد ما لا يفيده التنكير ذلك أن "أل" قد تكون لتعريف العهد فيكون المعنى: أن التحيات المعروفة بينكم هي لله، وقد يكون لتعريف الجنس على سبيل الاستغراق فيدل على استغراق التحيات كلها. وعلى هذا يكون المعنى: أن التحيات المعروفة بينكم هي كلها لله على سبيل الاستغراق والإحاطة.
إن اللفظ المختص بالله سبحانه وتعالى هو لفظ "التحيات لله" فقط، لذلك يَجوز أن يقول الإنسان لآخر: "مع تحياتي" أو "مع تحيتي" من دون نسبة التحيات إلى أحد غير الله، ومن دون فتوى، ومن دون خلط للشرعي باللغوي.
والله أعلم.
منذر أبو هواش
مقتطفات من موضوع "لمسات بيانية في سورة الفاتحة" للدكتور فاضل السامرائي:
معنى الحمد: الثناء على الجميل من النعمة أو غيرها مع المحبة والإجلال، فالحمد أن تذكر محاسن الغير سواء كان ذلك الثناء على صفة من صفاته الذاتية كالعلم والصبر والرحمة أم على عطائه وتفضله على الآخرين. ولا يكون الحمد إلا للحي العاقل.
¥