[الجملة القرآنية بين الاسمية والفعلية]
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[17 - 07 - 2008, 12:53 ص]ـ
[الجملة القرآنية بين الاسمية والفعلية]
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب - جامعة كفر الشيخ
أشرنا من قبل أن الجملة تتألف من ركنين أساسين هما: المسند والمسند إليه. وهذان الركنان هما عمدة الكلام. ويظهر تأليف الجملة – تبعاً للمسند – بصورتين هما:
الأولى: فعل + اسم، وبالتعبير الاصطلاحي (فعل وفاعل أو نائبه). والأصل فيها أن يتقدم الفعل على الاسم المسند إليه (الفاعل)، ولا يتقدم المسند إليه على الفعل إلا لغرض يقتضيه المقام.
والثانية: اسم + اسم، أو المبتدأ والخبر. والأصل فيها أن يتقدم المسند إليه (المبتدأ) على المسند (الخبر)، ولا يخالف ذلك إلى لأغراض يقتضيها السياق، أو طبيعة الكلام.
والفرق الدلالي بين الصورتين؛ أن الجملة التي مسندها فعل إنما تدور على معنى دلالي هو (الحدوث) لارتباط هذا الفعل (المسند) بالزمن، لأن الزمن جزء منه. وهذا الحدوث مستفاد سواء تقدم الفعل أو تأخر.
وقد تفيد هذه الصورة الدلالة على الاستمرارية في الحدوث بالقرائن السياقية التي تتضافر معها لإفادة هذه الاستمرارية، مثلما نلمس ذلك في قوله تعالى: ? هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ? ()، إ الدلالة في جملة (يرزقكم) تنعقد على أن الرزق من الله متجدد ومستمر، لا ينقطع ولا يزول. فالحدث هنا على الاستمرارية المستفادة من التعبير بالفعل المضارع في جملته الفعلية. أما الجملة الاسمية التي مسندها (اسم = خبر) فإنها تدل على معنى (الثبوت)، وربما أفادت معنى الدوام بالقرائن المختلفة ().
وإذا كانت الجملة الاسمية على دلالة إفادة معنى الثبات والدوام، والجملة الفعلية على إفادة معنى التجدد والحدوث، فإن الجملة الاسمية في دلالاتها تتسع في نطاقها النصي لتدل على معنى أوفى مما تدلّ عليه الجملة الفعلية، ولهذا ذهب أهل البلاغة إلى أن الجملة الاسمية نفيد بهيئتها التركيبية تأكيد المعنى، ولذا تؤثر في بعض المقامات على الجملة الفعلية ().
هذا ولأهل البلاغة في هذا المقام تفصيل جميل، غذ جعلوا من حركية المسند إليه مؤشراً دلالياً على نوع الجملة، ومن ثم القصد منها إلى أغراض ومقاصد دلالية متنوعة. نلمس ذلك في ثنايا حديثهم عن ملمح التقديم والتأخير في سياق الخبر المثبت (). وهذه العناية من جانبهم قائمة على إبراز الفروق التعبيرية المتولدة عن توظيف المركب الاسمي أو الفعلي، وما ينعقد عليها من مقاصد جمالية في سياقات النص.
وعبد القاهر الجرجاني حين يتخذ من فنية التقديم والتأخير في سياق معانقاتها للسياق الخبري، إنما كان مقصده الأول والأهم هو المعنى، إذ يدور في فلكه، ويبغيه من وراء تحليله، لكنه ليس المعنى في ذاته، المعنى الشريف أو الخسيس، لكنه المعنى المبتغى من وراء التركيب، المعنى نتاج تزاوج الدلالة بين النحو والبلاغة، بين التراكيب ومعانيها. فيرى الإمام أننا و أردنا أن نتحدث عن فاعل ما فقدمنا ذكره، ثم تليناه بالفعل الذي قام به فنقول: (زيدٌ قد فعل) و (أنا فعلت) فإن قصدك من ذلك هو الفاعل (معنى)، وليس قصدك هنا الفاعل (رتبة). يقول: " فإذا عمدت إلى الذي أردت أن تحدث عنه بفعل، فقدمت ذكره، ثم بنيت الفعل عليه فقلت: زيدٌ قد فعل، وأنا فعلت، وأنت فعلت. اقتضى ذلك أن يكون القصد إلى الفاعل " ().
لكن عبد القاهر يجعل المعنى المتولد من قصدية هذا الأسلوب على قسمين هما:
الأول: واضح لا غموض فيه. وهو أن يكون الفعل لفاعل منصوص عليه دون غيره، وانفراده بهذا الفعل دون سواه. مثل قولك: (أنا كتبت هذه الورقة)، و (أنت قمت بهذه الزيارة). ويتضح هنا في هذا القسم تخصيص ضمائر المتكلم والمخاطب بهذا الفعل، فهما مما يساعد على أداء هذا المعنى المقصود.
أما القسم الثاني: وهو أن يكون الفعل لفاعل ما دون تخصيصه. فالفعل مثبت لفاعل غير معين كقولك: (هو كتب هذه الورقة)، فاستخدام ضمير الغائب هو الذي سوغ عدم تعيين هذا الفاعل (معنى) وليس (رتبة).
¥