[التقديم والتأخير في الفاصلة القرآنية]
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[22 - 05 - 2008, 10:08 ص]ـ
التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْفَاصِلَةِ الْقُرْآنِيَّةِ
دراسة بلاغية تطبيقية على حزب المفصل في القرآن الكريم
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
قسم اللغة العربية - كلية الآداب
جامعة كفر الشيخ
للنص القرآني خصوصية متفردة في شتى أركانه وفي جميع نطاقات عمله، في تراكيبه وجمله، في كلماته ومفرداته، في سوره وآياته، في نظمه، في رسمه، في تقسيم الآيات، في فَصْله ووصْله، في بلاغاته، في نهاية آياته (فواصله)، في كل ما يتعلق به. هذا التفرد والتميز لابد من البحث في وسائله وسبله، للوقوف على نطاقات الإعجاز فيه، ومدارات الخصوصية لهذا النص الفريد.
ومن بين هذه الإعجازات، الإعجاز في توظيف الفواصل القرآنية، تلك الفواصل التي تحوي ألواناً إعجازية ودلالية بالغة الجمال، ورائقة السياق مما يمنحها رخصة الاشتراك في الإسهام في منظومة الإعجاز القرآني بكل تأكيد وفاعلية.
هذا وقد تعددت تعريفات الفاصلة القرآنية كما يلي:
ففي الاصطلاح اللغوي لها: الفصل: بونْ ما بين الشيئين. والفصل من الجسد: موضع المفصل، وبين كل فصلين وصل. والفاصلة: الخرزة التي تفصل بين الخرزتين في النظام. وعقد مفصل أي جعل بين كل لؤلؤتين خرزة. الفصل: القضاء بين الحق والباطل. والتفصيل: التبيين ().
ويعد الخليل بن أحمد الفراهيدي أول من أشار للمصطلح كما هو إذ يقول: " سجع الرجل؛ إذا نطق بكلام له فواصل كقوافي الشعر من غير وزن كما قيل: " لصّها بطل، وتمرها دقل، إن كَثُرَ الجيش بها جاعوا، وإن قلوا ضاعوا " (). فهو هنا يشير إلى (الفواصل) الكلامية غير الموزونة، ويدخل فيها بالطبع الفواصل القرآنية.
وخلاصة الرأي اللغوي فيما يخص الفاصلة، أنها الفصل بين شيئين متصلين، ويدور ذلك المعنى في ثنايا التخريجات اللغوية. أما الفاصلة في الاصطلاح فتعددت تعريفاتها بتعدد مشارب العلماء، ومن هذه التعريفات:
ما يراه الرماني (ت386 هـ) من أن " الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع، توجب حسن إفهام المعاني، والفواصل بلاغة، والأسجاع عيب، وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني، وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها " ().
فهو هنا يؤكد على دور الفاصلة في المعنى، بالإضافة إلى دورها في الإيقاع المتولد من المقاطع المتشاكلة. إلا أن كلمة الرماني (والأسجاع عيب) جعلته مقصدا للنقد خاصة من جانب ابن سنان الخفاجي الذي رأى في هذا الرأي تعميما غير مقبول، فرد على الرماني بقوله: " أما قول الرماني: إن السجع عيب، والفواصل بلاغة على الإطلاق فغلط، لأنه إن أراد بالسجع ما يكون تابعا للمعنى، وكأنه غير مقصود، فذلك بلاغة، والفواصل مثله. وإن كان يريد السجع ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف فذلك عيب، والفواصل مثله " (). فالخفاجي في رده هذا إنما يحفظ للمبدع حقه، ويصون النص القرآني عما قد يظنه ظان من التشابه بين فواصله وأسجاع المتكلمين.
والباقلاني يعرف الفواصل بأنها: " حروف متشاكلة في المقاطع، يقع بها إفهام المعاني " (). وأبو عمرو الداني (ت444هـ) يجعل الفاصلة: " كلمة آخر الجملة " (). ويعود الداني ليفرق بين (الفاصلة) و (رؤوس الآي) بقوله: " أما الفاصلة فهي الكلام المنفصل مما بعده، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية، وغير رأس. وكذلك الفواصل يكن رؤوس آي وغيرها. وكل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية. فالفاصلة تعم النوعين، وتجمع الضربين " (). ونلمح هنا أن الداني يؤكد على مبحث " الوقف " القرآني، فقد يكون الوقف داخل آية، فهو عندئذ ليس بفاصلة. أما إذا انتهت الآية، فالفاصلة هنا رأس آية. إذن الفاصلة عنده على نوعين هما:
1 – فاصلة داخلية: تقع في داخل الآيات، وهي خاضعة لأحكام الوقف والابتداء.
2 – فاصلة خارجية: وهي ما يسمى عنده (رأس الآية)، وهي خاتمة الآية.
¥