تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الاستفهام المجازي في كتاب (الصاحبي) لابن فارس]

ـ[محمد سعد]ــــــــ[07 - 05 - 2008, 06:28 م]ـ

التبكيت: [/ B]

[B] ويدل على خروج الاستفهام عن أصل وضعه إلى معنى (التبكيت) بقوله: "ويكون استخباراً، والمعنى تبكيت نحو: "أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ" [المائدة: 5/ 116]، تبكيت للنصارى فيما ادعوه.

وابن فارس بإفراده لهذا الغرض، يُفهم منه أنه يُفرق بين التبكيت والتوبيخ، وهو بهذا محق؛ لأن المعنى اللغوي للتبكيت، وإن أفاد ما أفاد التوبيخ: التقريع والتعنيف، غير أن التبكيت يُفهم منه الحِجاج، يقول ابن منظور: "وبكته بالحجة، أي غلبه"، و"لعل التبكيت أعلى درجة من التوبيخ، فهو توبيخ، وتقريع وتعنيف واستنكار".

وما ذهب إليه ابن فارس من أن الاستفهام أفاد التبكيت وافقه عليه الزركشي، ونقل عنه هذا الشاهد، لكن ثمة علماء غيرهما ذهبوا مذهباً مغايراً، فرأى أبو عبيدة أنه من "باب التفهيم، وليس باستفهام عن جهل ليعلمه ... ، وإنما يراد به النهي عن ذلك، ويتهدد به" ثم ساق أمثلة اختلطت فيه معاني التهديد بالتقرير

قال القرطبي (ت 671 هـ) إنّه "توبيخ لمن ادعى ذلك عليه، ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ من التكذيب، وأشد في التوبيخ والتقريع". أما المرادي فذهب إلى أنه للتقرير

وهكذا نلحظ أن الآراء تتباين، لكن يبقى لرأي ابن فارس بعد دقيق؛ ذلك لأنه أدرك أن الاستفهام وإن كان موجهاً إلى سيدنا عيسى عليه السلام، إلا أنه لا يعنيه؛ لأنه ـ عز شأنه ـ يعلم أن هذا القول لم يقع منه، بدليل قوله عليه السلام: "سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ" [المائدة: 5/ 116]، كما أن النصارى يعلمون أنه لم يقله، لكنه أراد من هذا الاستفهام أن يكون تبكياً لهم، ليعلموا أنهم المراد بذلك.

وثمة مسألة بلاغية تؤكد أن ما ذهب إليه ابن فارس من أن الاستفهام أفاد تبكيتاً، ولم يكن استفهاماً محضاً، أو نهياً أو تفهيماً كما قال أبو عبيدة، أو تقريراً كما ذهب المرادي هي أن "إيلاء الاستفهام الاسم، ومجيء الفعل بعده دلالة على صدور الفعل في الوجود، لكن وقع الاستفهام عن النسبة، سواء أكان هذا الفعل الواقع صادراً عن المخاطب أم ليس بصادر عنه، وفي هذا يقول عبد القاهر: "إذا بدأت بالفعل، فقلت: (أفعلت؟) كان الشك في الفعل نفسه، وكان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده. وإذا قلت (أأنت فعلت؟) فبدأت بالاسم كان الشك في الفاعل من هو؟، وكان التردد فيه ... ومثال ذلك أنك تقول: (أبنيت الدارَ التي كنت على أن تبنيها؟) ... وتقول: أأنت بنيتَ هذه الدار؟)، فتبدأ في ذلك كله بالاسم، وذلك لأنك لم تشك في الفعل أنه كان. كيف؟ وقد أشرت إلى الدار مبنية، وإنما شككت في الفاعل من هو؟ فهذا من الفرق لا يدفعه دافع، ولا يشك فيه شاك، ولا يخفى فساد أحدهما من موضع الآخر.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير