[جماليات التلاؤم والتنافر بين البلاغيين والنحويين]
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[24 - 05 - 2008, 06:59 م]ـ
جماليات التلاؤم والتنافر بين البلاغيين واللغويين
مقاربة تحليلية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – كفر الشيخ
1– التلاؤم والتنافر عند البلاغيين:
يجمع البلاغيون على أن التنافر هو ما يعتري الكلمة المفردة أو الكلام المؤلف من ثِقَل يشكل عبئاً على النطق، لأنه يتطلب - تبعاً لهذا الثقل- جهداً عضلياً زائداً على اللسان الذي هو آلة النطق (). والجاحظ من أوائل من تنبهوا إلى هذه المسألة لمّا جعل من اقتران الحروف مدخلاً للبحث فيها. فقد يعرض للحروف عند ائتلافها في اللفظة بعض التنافر. فالجيم لا تقارن الشين وهكذا ().
أما التلاؤم فهو تعديل الحروف في التأليف (). وهو أحد شروط البلاغة " لأن الكلام لا يكون بلاغة - وإن ثقفت ألفاظه كل التثقيف - إذا تنافرت حروفه. وتنافر الحروف أن تكون مخارجها متلاصقة كالجيم والشين، أو كالصاد والسين والزاي. ألا ترى أنك لو بنيت اسماً ثلاثياً من الجيم والشين والضاد على أي ترتيب أحببت أن تضعه عليه من الترتيبات الستة لم تقدر على استعماله إلا بعسر شديد. وكذلك لو بنيته من الصاد والسين والزاي على أي ترتيب وضعته عليه كان استعماله عسيراً شاقاً " ().
ومن فوائد التلاؤم سهولة الكلام في النطق، وحسنه في السمع، وتقبل النفس لمعناه لما يرد عليها من جماليات الصورة والدلالة ().
أقسام التنافر عند البلاغيين:
يقسم التنافر عند البلاغيين قسمين هما:
أ – التنافر في اللفظ المفرد.
ب – التنافر في الكلام المؤلف.
ثم يوضع تحت كل قسم منهما أقسام أخرى نوضحها فيما يلي:
أولاً: التنافر في اللفظ المفرد:
ويقسم هذا القسم إلى:
1 - تنافر شديد: وهو ناتج عن الثقل الشديد الذي يظهر عند تأليف الكلمة من حروف تعسر في النطق بسبب المخرج أو الضبط. ويمثل البلاغيون لهذا القسم بكلمة (الهُعْخُع) () التي وردت في قول أحد الأعراب لما سئل عن ناقته فقال: تركتها ترعى الهعخع (). وقد جعل ابن سنان هذه اللفظة دليلاً على المهمل الذي يصعب النطق به لتقارب الحروف، فلا يكاد يجيء في كلام العرب ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لحزونة ذلك على ألسنتهم وثقله.
وينكر ابن سنان الكلمة بهذا التأليف ويعدل إلى تأليف آخر هو (الخُعْخُع) وهو الأقرب إلى تأليف العرب، لأن تأليفه على حرفين فقط، وحروف الحلق خاصة مما قل في تأليفهم من غير فصل يقع بينها (). ويذكر السبكي أن ثقل هذه الكلمة ناشئ من تقارب حروفها ().
ويحاول د. محمد أبو موسى أن يعلل هذا التنافر الحادث في اللفظة بأن (الهعخع) قد يكون " شجراً كريهاً مراًّّّّ لا يطاق طعمه، كأنه هذه الكلمة التي لا يطاق النطق بها، والتي تحكي صوت المتقيئ. ولم لا يكون لفظاً مخترعاً للثقل، أو لا معنى له " ().
ويرى د. عبد الحليم شادي أن ما ذهب إليه د. أبو موسى في تعليله لهذا الثقل قد يكون صحيحاً لأمرين هما (): الأول: أن مقطعي الكلمة يحكيان صوت القيء. فالمقطع الأول (هُعْ) يحكي صوت القيء وهو مندفع من جوف الإنسان إلى حلقه. والمقطع الثاني (خُعْ) يحكي صوته وهو خارج من حلقه إلى الخارج. والثاني: أن الأشياء قد يطلق عليها أسماء أصواتها وذلك فيما قبل وضوح اللغة. فربما يكون اسم شجرة يقزز طعمها النفس إلى درجة التقيؤ، وأطلق القيء مجازاً مرسلاً علاقته المسببية بإطلاق المسبب وهو (الهُعْخُع) = (القيء) على السبب وهو ذلك النبات المقزز.
وهذا الذي ذهب إليه د. أبو موسى ود. شادي من محاولة التعليل يحمد لهما، إلا أن الأمر في جوهره يعود إلى أن ثقل هذه الكلمة ينبع منها ذاتها خاصة، ومن تأليفها (العفوي أو المقصود) على هذا النحو، وهو ما أدركه الأوائل فاكتفوا بوصفها بالثقل والتنافر الشديد.
2 – تنافر خفيف: وهو أقل وطأة من سابقه، إذ يشعر السامع في هذا النوع بشيء من الثقل الصوتي في نطق الكلمة يتبعه ثقل سمعي لدى المتلقي. أي أنه يجتمع في هذا القسم نوعان من الثقل: أولهما: ثقل نطقي يعانيه الناطق ويشعر به السامع. وثانيهما: ثقل سمعي يعانيه السامع وحده. وقد مثل البلاغيون لهذا النوع بكلمة (مستشزرات) في قول امرئ القيس:
¥