تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من حديث: (أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ ....... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 04 - 2008, 06:28 م]ـ

من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: (أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا).

أحل:

حذف الفاعل للعلم به، فالله، عز وجل، هو الشارع، الذي يحل ويحرم، لا شريك له في حكمه الكوني والشرعي، وإن نازعه بعض خلقه الثاني، فهو نزاع باطل، مصداق قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، فأي حكم يضارع حكم الملك، عز وجل، الذي علم من الأزل ما يصلح عباده، فخلقهم بعلمه، وأنزل إليهم الكتاب مفصلا، فبين مجمل الفطرة، وأزال اعوجاجها، وشرع لنا من الدين على لسان رسله ما تزكو به الأنفس وتحفظ به الأديان والأبدان، فكيف سوى من سوى بين شرع من يعلم السر وأخفى، وشرع من تجري عليه عوارض النقص من أكل وشرب ونوم ومرض وموت؟!!!.

قوله: لِإِنَاثِ أُمَّتِي:

تعليق للحكم على وصف الأنوثة، فدخل في ذلك: البنت الصغيرة والشابة والمرأة، بل والمسنة، فهو أمر قد فطرت عليه النساء، مصداق قوله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)، فكان اللفظ بليغا من جهة عمومه كل أفراد الجنس الذي يجوز له التحلي بالذهب ولبس الحرير، ولو قال: لنساء أمتي لأغفل حاجة الطفلة الصغيرة والمرأة العجوز إلى الزينة وهي أمر لا غنى لأنثى عنه، وإن بلغت من الكبر عتيا!!!.

وقوله: (وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا):

تعليق لحكم التحريم على وصف الذكورة، ومن هنا ذهب من ذهب من أهل العلم إلى تحريمهما، ولو على الطفل الصغير الذي لم يكلف بعد، تعويدا له على اجتنابهما، كما يؤمر بالأفعال والتروك تأديبا ولما يجر عليه القلم بعد، ويؤيد ذلك حديث جابر رضي الله عنه: (كُنَّا نَنْزِعُهُ عَنْ الْغِلْمَانِ وَنَتْرُكُهُ عَلَى الْجَوَارِي)، أي: الحرير، والحديث عند أبي داود، رحمه الله، من طريق: عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ.

ولبس الحرير والتحلي بالذهب مظنة التنعم الذي لا يليق بالرجال، فينهى عنه الذكور، وإن كانوا صغارا، لئلا تفسد أخلاقهم، بالخروج على مقتضى الفطرة، فإن خروج أي من الجنسين على فطرته مظنة وقوع الفساد في الأديان والبلدان، وواقع شباب المسلمين اليوم خير شاهد على ذلك.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (أمتي):

إما أن يكون المقصود به: "أمة الدعوة"، فيكون الخطاب عاما في حق كل من بلغته الرسالة، وإما أن يكون خاصا بـ: "أمة الإجابة"، وقد وقع الخلاف بين الأحناف، رحمهم الله، من جهة، والجمهور من جهة أخرى، في مثل هذه المواضع، تبعا لاختلافهم في مسألة: خطاب الكفار بفروع الشريعة، فمن قال بأنهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به من الإسلام، حمل الأمة هنا على: أمة الدعوة، ومن قصر خطاب الفروع على المسلمين حملها على: أمة الإجابة، فلا يتعدى الخطاب إلى غيرهم، وهذا قول الأحناف رحمهم الله.

وقول الجمهور أولى، لأن حمل النصوص على العموم ما أمكن، هو الأصل، فيكون خطاب التحليل لكل الإناث من كل الأمم، وخطاب التحريم لكل الذكور من كل الأمم، فيعمل النص على أوسع نطاق، فنصوص الشريعة لم تأت لآحاد المكلفين.

وفي قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

"أُحِلَّ"، و "حرم"، و: "إناث أمتي" و "ذكورها":

مقابلة بذكر الأضداد، كما في:

قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، فقابل بين: الحل والحرمة، و: البيع والربا.

والمقابلة من أنواع البديع التي تظهر بها الفروق بين الأشياء المتقابلة، فبضدها تتميز الأشياء.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير