من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ...... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 06:58 ص]ـ
من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
قل: خطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال بعض أهل العلم لا يدخل فيه عليه الصلاة والسلام، لأنه المبلغ عن ربه، عز وجل، فيبعد أن يكون مأمورا بالتبليغ، مع كونه مُبلِغاً في نفس الوقت، وأجاب المخالف، بأنه لا مانع من يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ابتداء، وأمته تبع له في ذلك، فيكون الخطاب: خاص لفظا عام معنى، ويقوي قول أصحاب الرأي الأول، في هذا الموضع بعينه، أنه يستحيل أن يكون عليه الصلاة والسلام داخلا في زمرة المخاطبين الذين أسرفوا على أنفسهم، إذ كيف يصح في الأذهان ذلك، وهو، بأبي هو وأمي، عليه الصلاة والسلام أعبد الخلق وأطوعهم لربه، جل وعلا، وللمخالف أن يقول: قد يدخل عليه الصلاة والسلام، ولو على سبيل الفرض، ولا يلزم من فرض الشيء وقوعه، نظير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، والشرط هنا مستحيل، فاستحال الحكم تبعا، إذ الشرط قيد في حكم الجزاء، فكما استحال الشرك في حقه، ولو صح فرضه جدلا، استحال حبوط عمله، عليه الصلاة والسلام، ولو صح وقوعه بوقوع شرطه فرضا، وطرد القول بأن الأمة هي المقصودة بمثل ذلك ابتداء، سواء في هذه الآية، أو الآية محل البحث أسلم. والله أعلم.
يَا: نداء للبعيد، وكل نداء في القرآن إنما هو للبعيد ووجه البعد فيه:
من جهة المُخاَطِب، جل وعلا، فهو العلي: ذاتا وصفاتا، فناسب أن يكون خطابه لعباده خطاب البعيد من هذا الوجه.
ومن جهة المُخاطَب:
إما من جهة غفلته: فيكون الخطاب بـ: "يا" توبيخا له، كخطاب الكفار في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
أو: عتابا، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ).
وإما لمجرد استرعاء الانتباه، وشحذ همة المخاطب، وإن لم يكن غافلا، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
وإما لتفادي الخطأ قبل وقوعه، بأن يكون ما بعد النداء مخالفا لصفة المخاطبين، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، فإن التقدم بين يدي الله ورسوله، ليس من صفات الذين آمنوا أصلا، فكان الأنسب، بادي الرأي، أن يكون الخطاب موجها لمن تلبس بهذه المعصية، فيقال على سبيل المثال: يا أيها الذين كفروا، أو: يا أيها الذين تعدوا حدود الله، أو: يا أيها الذين خرجوا عن أمر الله ورسوله ............. إلخ، ولكن لما كان المقصود تنبيه المؤمنين وتحذيرهم من الوقوع في هذه المعصية على طريقة: الوقاية خير من العلاج، ساغ توجه الخطاب إلى المؤمنين بذلك النهي وإن لم يقعوا في المنهي عنه.
عِبَادِيَ: تودد من الله، عز وجل، إلى عباده، وإن عصوه، فقدم ذكر العبودية التي تقابل الربوبية، وفيها من معاني العناية ما فيها، ليقوى الرجاء في نفوس المخاطبين، فيطردوا اليأس عنهم، فربهم: غفور ودود، يقبل التوبة عن عباده، بل ويبدل السيئة حسنة، فلا ييأس من روحه إلا الكافرون.
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: عموم لا مخصص له إلا من نص الله، عز وجل، على هلاكه، كإبليس وفرعون، أو مات يقينا على الكفر فلا مطمع له في رحمة الله، وجيء بالموصول الذي هو نص في العموم، وجيء بالصلة تبيينا لمجمله، فوقع البيان بعد الإجمال، وهو أوقع في النفوس من ورود البيان ابتداء.
¥