تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التكرار الإيقاعي في القرآن الكريم]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:36 م]ـ

[التكرار الإيقاعي في القرآن الكريم]

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر

يمثل الإيقاع عنصراً أساسياً في التشكيل البنيوي للغة العربية، ذلك لأنها لغة إيقاعية تعتمد على البنيات التي تحدث نغماً صوتياً، وهذا النغم بكل تشكيلاته وصوره يعتمد بصوره رئيسة على فنية التكرار.

والتكرار الإيقاعي ظاهرة فريدة في العربية ـ تفرضها طبيعة اللغة نفسها، لأنها في خالص أمرها لغة اشتقاقية تعتمد على تكرار الأصل البنيوي للمواد التشكيلية فيها، وذلك لتنتج لنا العديد من الصور والأشكال الاشتقاقية متحدة الأصول متباينة الهيئات.

ومن روائع التوظيف القرآني ما لمسناه من إيقاعات متنوعة في ثنايا التوظيف، تدور حول الأغراض الجمالية المقصودة من وراء هذا التوظيف. فالنص القرآني يوظف مثلاً تكرار المادة اللغوية بصورة رائعة كما أسلفنا في الفصل السابق، ويوظف تكرار الألفاظ بصورتها متحدة البنية والدلالة، ويوظف تكرارات اللفظ متحد الدلالة مختلف الهئية، ويوظف تكرارات الصورة الصرفية باعتماد الوزن، وما يحدثه كل ذلك من إكساب الكلام جرساً وموسيقى نصية، وما يتبع ذلك التلوين التكراري من جماليات دلالية وسياقية. ولذا فإننا نعمد هنا إلى الحديث عن التكرارات الإيقاعية في معانقاتها لسياقات الجملة القرآنية، وما يحدثه ذلك من تأصيلات دلالية وجمالية في النسيج القرآني.

1 - التداعي الصوتي:

من جماليات التوظيف التكراري في النص القرآني ما نلحظه في بعض الآيات من شيوع تكرارات صوتية وصرفية في ثنايا التراكيب، مما يؤدي إلى تآلف أصوات الحروف في هذه التراكيب مع بعضها البعض. كما أن الاتكاء على تكرار حرف معين إنما تنعقد مقصديته على سياقات دلالية يؤديها هذا الحرف فيما يسمى (التداعي الصوتي) الذي يتمثل في الاتكاء على حرف بعينه، ليتردد بصفة منتظمة في مجموعة الدوال المتجاورة، ليحكم علاقتها صوتياً (). والتردد الحرفي في السياق القرآني يحمل شحنات سياقية نصية يتم توظيفها في إطار الأخص والعام معاً، وفي الوقت ذاته لتحقيق الملحظ الإيقاعي لدى المتلقي من ناحية، وتعميق دلالة الأثر الناشئ عن هذه التكرارات من ناحية أخرى ().

* ومن أمثلة هذا التداعي الصوتي ما نلمسه في قوله تعالى: ?وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ? (). إذ تكرر حرف (الواو) في (5 خمسة مواضع) كحرف عطف، أو كجزء من بنية الفعل. وهذا التكرار يعدّ " أسلوباً إغرائياً من قِبَل أخوة يوسف عليه السلام لأبيهم لكي يوافق على اصطحابهم أخيهم " ().

كما أن هذا التكرار لحرف (الواو) " لا يحمل المغايرة الدلالية بل يعتمد المزاوجة بين المتعاطفات، أو بوافي بينها بحيث تبدو مجتمعة وهي متفرقة، وذلك لما فيه من الرفادة واللين، حتى تصبح هذه المتعاطفات على هذا النسق كياناً واحداً، ومطلباً متحداً، لا يمكن الفصل بين أجزائه " ().

فتكرار الواو في هذه الآية أفاد هذه المعاني، وشكل تداعياً صوتياً مكن الدلالة من الظهور في السياق.

* ومن ذلك ما نلحظه من تكرار حرف القاف (10عشر مرات) في قوله تعالى: ?وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ? (). فرغم أن القاف حرف ثقيل في النطق، إلا أن هذا التكرار بما فيه من الشدة جاء لتأكيد الأمر في نفوس المتلقين في شأن ابني آدم عليه السلام، وما دار حولهم من قصص وأحاديث من جانب أهل الكتاب، فجاء القرآن بالخبر اليقين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير