تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في رحابِ قولِه تعالى: " فقُطِعَ دابرُ القومِ الذين ظلموا .... " الآية.

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 01:09 ص]ـ

http://up.lz3zl.com/get-8-2008-2l942psx.gif (http://up.lz3zl.com)

قال تعالى: " فقطع دابرُ القومِ الذين ظلموا والحمدُ للهِ ربِّ العالمين " (الأنعام: 45).

جاءت الآية الكريمة معطوفة على ما قبلها ــ وهو قوله: (أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) ــ بفاء التعقيب (فقطع) التي دلت على تعجيل الأخذ، وسرعة الإهلاك بعد طول الإمهال، عاشت فيه تلك الأمم ردحًا طويلاً من الزمن في ظل رغد من العيش، فإذا بعذاب الله يتغشاهم، وإذا بسوء العاقبة يحيلهم إلى زوال في سرعة خاطفة.

وبناء فعل القطع للمفعول: (قطع) فيه لفتٌ إلى السرعة في محق دابرهم، وفي ذلك إشارة إلى هول العذاب، وفظاعة المصير الذي آل إليه القوم، ولاءم البناء للمفعول جو الترهيب الذي أشاعه سياق الآية.

http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)

والمراد بـ (دابر القوم): آخرُهم الذي يكون في أدبارهم.

جاء في المقاييس: أن الدال، والباء، والراء: أصل يدل على: " آخر الشيء وخلفه، خلاف قبله " (1)، " ودبر كل شيء: عقبه ومؤخره " (2).

واستعمل في المعنى ذاته، والغرض ذاته في قول الشاعر (3):

فأهلكوا بعذابٍ حصّ دابرَهم ** فما استطاعوا له صرفًا ولا انتصروا

وفي هذا التعبير كناية عن الإفناء التام، والإهلاك الشامل العام، الدال على استئصال القوم، وذهابهم، ومحو آثارهم، فلم تبق لهم باقية، وإذا كان آخرهم قد هلك وفني، فإن أولهم أهلك، واجتث أصله من باب أولى؛ لأن ذهاب آخر الشيء مستلزمٌ لذهاب ما قبله.

http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)

ويرد في الخاطر سؤال، مؤداه:

ما الغرض من إظهار الموصول وصلته (الذين ظلموا) في التعبير، مع إمكان الإضمار من تأدية المعنى؟

إن التأمل في سياق الآية، يكشف غرض ذلك ويجليه؛ ذلك أن عظم العذاب الذي حل بالأقوام، والإفناء التام الذي نزل بهم بعد طول النذارة والإمهال، كان له سبب عظيم أفضى إليه، وهو ظلمهم أنفسهم:

بتكذيبهم رسلهم، وعنادهم، ومكابرتهم، وصمّ آذانهم عن الحق، وإصرارهم على الشرك، وعتوهم عن أمر ربهم، وغير ذلك من الأمور التي توطنت عليها نفوسهم، وركنت إليها طباعهم المفطورة على الظلم، والمغترة بعظم الرخاء الذي نعمت فيه ردحًا طويلاً، ولكن القوم وضعوا الكفر موضع الشكر، و أقاموا المعاصي مقام الطاعات، فكان ظلمهم الذي تسبب عنه هلاكهم الوخيم، وجرّ عليهم العذاب الأليم، وكانوا عبرة للمعتبرين، ممن جاء بعدهم كالمشركين المكذبين.

http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)

وقد كان للتذييل بقوله: (والحمد لله رب العالمين) خلابة، وسحر يأخذ النفس من أقطارها!

ذلك أن تخليص العباد من فساد الظالمين، وتطهير البلاد من دنس المعتدين نعمة يجب حمد الله ــ تعالى ــ عليها، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية، فإن نصره ــ تعالى ــ رسله، بإظهار حججهم، وتصديق نذرهم، و إهلاك الكافرين لهو من أجل النعم، و أعظم المنن، مع ما في هذا وذاك من النذارة للمشركين بالتبصر في مصارع الغابرين من الأمم قبلهم، والبشارة للمؤمنين بترقب إعلاء كلمة الله، ونصره لهم كما نصر المؤمنين من قبلهم.

ودلت اسمية الجملة على معنى الحمد الدائم، والشكر الثابت لله ــ تبارك وتعالى ــ عند خواتم الأعمال، وانقضاء الأمور، فهو ــ وحده ــ المستحق لذلك.

http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)

(1) المقاييس في اللغة: (374). مادة: (د. ب. ر).

(2) لسان العرب: (4/ 268).

(3) هو أمية بن أبي الصلت، والبيت في ديوانه (32).

ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 08:37 ص]ـ

جزاك الله خيرًا أستاذتنا ندى.

ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 07:55 م]ـ

لا حرمت الأجر أختي الفاضلة ..

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 04:51 ص]ـ

الأستاذة الفاضلة ندى الرميح:

بورك يراعك, كما بوركت روحك.

زادك الله إيمانا, وعمق من قوة ارتباطك بساحة قدسه, وجعلك محطة لنزول فيوضاته, وسكب في روحك شأبيب رحمته.

ما أجمل بيانك وهو يسبح بنا في بحر الجمال القرآني.

نعم, نستشعر في هذا البيان القرآني {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} ما أصاب أولئك القوم من هلاك وفناء استوعبهم جميعا, ولم يبق منهم أحدا, وهذه الآية في معناها توافق معنى آية أخرى {فهل ترى لهم من باقية} الحاقة: 8.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير