تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[جماليات المناسبة الصوتية في اللغة العربية]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[24 - 05 - 2008, 07:09 م]ـ

[جماليات المناسبة الصوتية في اللغة العربية]

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – كفر الشيخ

من المؤكد أن شيوع مصطلح المناسبة في هيكل الدراسات اللغوية قد أدى إلى شيوع العديد من المصطلحات القريبة منه في الدلالة مثل: الانسجام، والتوافق، والإتباع. وكلها تشترك في حيازتها دلالة عامة في مجملها، فهي تشير إلى أن النظام الصوتي في الدراسات اللغوية يأتي تبعاً لقانون التوازن الإيقاعي، ومن ثم أُطْلِقَ على اللغة العربية أنها اللغة الموسيقية ().

والمناسبة الصوتية " جزء من النظام العام للغة تنتج عن اتفاق يوجد بين جميع الأعضاء النطقية بحيث لا نجد صوتاً مناوئاً لصوت مجاور، ولا عضواً منافياً في وضعه النطقي لعضو آخر، وإنما تتعاون الأعضاء في خلق نوع من الانسجام الحركي في أثناء العملية النطقية. ومثله انسجام في حروف الكلمة والجملة، فلا يكون هناك صوت شاذ عن آخر، ولا حركة مناقضة لحركة أخرى، فيؤدي ذلك بالطبع إلى نوع من التوازن والتوافق " ().

أما كيفية حدوث المناسبة فذلك نابع من طبيعة الوحدات الصوتية داخل الكلمة. فالوحدات الصوتية تختلف في قيمتها من حيث طولها أو قصرها، أو قوتها أو ضعفها، أو كونها ساكنة أو متحركة، وكل هذا يؤدي إلى أنها لا يمكن أن تتساوى في قيمتها داخل الكلمة الواحدة، مما يؤدي أحياناً إلى إحداث بعض التناقض فيما بينها، فتلجأ اللغة إلى التخلص من هذا التناقض عن طريق ظواهر المناسبة والانسجام ().

ويلحظ أن الفصحى تضحي ببعض قوانينها من أجل تحقيق هذه المناسبة، مثلما نجد في حالات الجر بالمجاورة، وحذف أواخر الفواصل للتوافق مع بقية الفواصل الأخرى سواء كان المحذوف حرفاً أو كلمة. والإعلال في جوهره ما هو إلا تخفيف قائم على المناسبة والانسجام والمجانسة، وكذلك الإدغام. ويرى د. محمد حماسة عبد اللطيف أن المناسبة والانسجام يعد أساساً من الأسس التي قام عليها الإعلال، حيث يقول عن هذا الأساس: " هو مراعاة الانسجام والتناسق الصوتيين، أو ما سموه بالمناسبة الصوتية في الكلمة، ولذلك عللوا حدوث الإعلال بأنه للتخفيف " ().

وينتج عن المناسبة الحادثة لتجاور الأصوات عدة ظواهر تتمثل في (المماثلة الصوتية، والمخالفة الصوتية، والقلب المكاني، والإتباع الحركي). ونفصل القول في كل منها كما يلي:

1 – المماثلة الصوتية Assimilation ( )

ويقصد بها تأثر الأصوات المجاورة بعضها لبعض تأثراً يؤدي إلى التقارب في الصفة والمخرج، تحقيقاً للانسجام الصوتي، وتيسيراً لعملية النطق، واقتصاداً في الجهد العضلي (). والمماثلة شائعة في اللغات كلها بصفة عامة، غير أن اللغات تختلف في نسبة هذا التأثر ونوعه (). وللقدماء من أهل اللغة إشارات جلية توضح إدراكهم لهذه الظاهرة، وذلك مضمن في ثنايا حديثهم عن الإدغام، وإن لم يطلقوا عليها هذا الاسم. فقد أطلق عليها سيبويه اسم (المضارعة) ويقصد بذلك تقريب الأصوات المجاورة بعضها مع بعض، فضارعوا بها أشبه الحروف (). وأطلق عليها ابن جني اسم (التقريب) أثناء كلامه على الإدغام الأصغر إذ يقول: " والإدغام المألوف المعتاد إنما هو تقريب صوت من صوت " (). ويطلق عليها ابن يعيش اسم التجنيس أو تقريب الصوت من الصوت ().

ولم يبتعد المحدثون من أهل اللغة عن تقريرات القدماء لهذه الظاهرة الصوتية، وأدرجوها تحت اسم (المماثلة)، وذكروا أن الأصوات اللغوية تتأثر ببعضها في المتصل من الكلام، وهي في هذا التأثر تهدف إلى تحقيق نوع من المماثلة بينها ليزداد مع مجاورتها قربها في الصفات والمخارج (). غير أننا لهذا المصطلح تسمية أخرى هي (التحييد) كما يطلقها عليه د. كريم حسام الدين ويعرفه بأنه " تداخل أو ذوبان فونيم في فونيم آخر حتى يصير فونيماً واحداً في سياق صوتي معين. أو بعبارة أخرى: إلغاء أو محو فونيم معين نتيجة لتفاعله مع فونيم آخر يختلف معه في ملمح صوتي واحد على الأقل. ويكون الفونيم الجديد الناتج من عملية (التحييد) صورة جديدة، أو وسطاً بين الفونيمين المحوَّل عنه والمحوَّل إليه نتيجة عملية المماثلة " ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير