[من يحل لي هذا الإشكال]
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[15 - 05 - 2008, 11:31 ص]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
لقد أشكل عليّ التوفيق بين معنى أيتين في كتاب الله , هما:
قال تعالى: ((ولِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً))
ظاهر المعنى لهذه الآية أنّ الحج ليس مقصوراً على المسلمين فقط لدليل " على الناس " و لم يقل على المسلمين أو المؤمنين.
و هناك أية أخرى و هي قوله تعالى: ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا))
فالمعنى الظاهر من هذه الآية أنه لا يجوز دخول المشركين المسجد الحرام , و هذا ما هو معمول به في بلد الله الحرام فلا يدخلها إلا المسلمين.
إذاً ماذا لو أراد أحد المشركين الحج بناءً على معنى الآية الأولى , فالآية الثانية تمنعه من دخول المسجد الحرام؟
فكيف أوفق بين معنى الآيتين , أم أن هناك نسخ لأحد الآيتين , ارجو توضيح المعنى و التوفيق بين المعنيين ....
و لكم جزيل الشكر ,,,
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 05 - 2008, 02:47 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ولك جزيل الشكر أيها الكريم.
يقال والله أعلم:
إن الكفار، على قول الجمهور، مخاطبون بفروع الشريعة، خلافا للأحناف، رحمهم الله، فيلزم المشرك الحج من جهة: تكليفه بالفرع، وبما لا يصح إلا به من الأصل، فهم مخاطبون بالحج وبالإيمان قبله، إذ الإيمان شرط في صحة العمل، تماما كما يقال في حق المحدث إذا دخل وقت الصلاة: فهو مخاطب بالصلاة وبما لا تصح إلا به من الوضوء، لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة.
ويقال، أيضا، هو مخاطب به، مع انتفاء الموانع، وقد قام به مانع الشرك، فتلزم إزالته أولا حتى يصح حجة، كالحائض، مثلا، فهي مخاطبة بالصلاة، ولكنها تسقط عنها لقيام مانع الحيض بها، فإذا زال المانع ثبت الحكم، مع الفارق بين الصورتين إذ الحائض غير مكلفة بإزالة حيضتها، لأنها أمر جبلي لا حيلة لها فيه، بينما المشرك مكلف بإزالة شركه إذ ذلك مما يدخل تحت طاقته إن شاء الله، عز وجل، له الهداية كونا.
فلا تعارض بين الآيتين، إذ الثانية مخصصة لعموم الأولى، ولا تعارض بين عام وخاص لأن الخاص القطعي يقضي على العام الظني.
أو يقال: "الناس": عام أريد به خاص، فيكون مجازا، عند من يقول به، إذ أطلق العام: الناس، وأراد الخاص: المؤمنين، كما قال أهل العلم في:
قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ): فالناس: عام، أريد به: خاص، وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الذي حسدته قريش على نعمة الرسالة، وفي التنزيل: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
وقوله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)، أي: من حيث أفاض الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
أو يقال: هو عام خص بدلالة العقل، إذ العقل قد دل على خروج: الكافر والمجنون والصغير من خطابات التكليف.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[15 - 05 - 2008, 05:26 م]ـ
بارك الله فيك و جزاك الله خيراً استاذنا الفاضل على هذا الرد الوافي الذي وضحت فيه الإشكال بحسن المقال و ضرب المثال.