تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التلوين الصوتي بالتكرار في القرآن الكريم]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[12 - 07 - 2008, 01:16 ص]ـ

التلوين الصوتي بالحذف في القرآن الكريم

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ

الحذف في اللغة سواء كان قياسياً أو سماعياً وسيلة من وسائل التخفيف من الثقل النطقي للفظ داخل البيئة اللغوية. ولذا اشترط أهل اللغة بعض الشروط التي يجب أن تكون حاكمة لبنية الحذف منها ():

1 - ألا يؤدي هذا الحذف إلى التباس لفظ بآخر، بحيث تتشابه الألفاظ مما يؤدي إلى التباس المعاني.

2 - إلا يؤدي الحذف إلى إنتاج صور مرفوضة، أو صور لفظية ثقيلة، كأن يؤدي الحذف مثلاً إلى توالي أربعة متحركات، أو تجاور حرفين ثقيلين، أو تجاور ساكنين. فالحذف إذا أدى إلى هذه الأشكال فهو مرفوض. يقول ابن جني: " العرب إذا حذفت من الكلمة حرفاً، إما لضرورة، أو إيثاراً، فإنها تصور تلك الكلمة بعد الحذف منها تصويراً تقبله أمثلة كلامها، ولا تعافه وتمجّه لخروجه عنها " ().

3 - ألا يؤدي الحذف إلى غموض الدلالة في سياقها.

4 - أن يوجَد دليل على المحذوف، لكي يكون اعتبار وجوده قائماً في المعنى.

ونظراً لأننا نخص الكلمة هنا بالتحليل والدراسة فإننا سوف نعالج فنية الحذف كأحد التلوينات الصوتية في تعانقات سياقاتها مع سياقات الكلمة، وبيان الأثر الجمالي الناشئ عن هذه التعانقات.

أ – حذف الحروف في الكلمة القرآنية:

تلجأ العربية إلى حذف بعض حروف الكلمة قصداً لأغراض دلالية مبعثها الأهمّ التخفيف أو الترخيم وفقاً لمعطيات السياق، ذلك لأن " الحذف في اللفظ وثيق الصلة بالمعنى " (). وحذف الحروف من اللفظ له أسباب منها:

1 - الحذف لكثرة الاستعمال:

وهو من الحقائق المقررة عند المحدثين من علماء اللغة، وذلك لأن كثرة الاستعمال تُبْلِي الألفاظ، وتجعلها عرضة لقصّ أطرافها (). ونلمس ذلك عند الأخفش عند تعليله حذف ألف (اسم) من الخط تخفيفاً لكثرة الاستعمال ().

وكذلك تنبّه الفراء لهذه الظاهرة عند حديثه عن حذف الألف في (بسم الله) تخفيفاً لكثرة الاستعمال (). وتعليله الجميل لحذف (الياء) من كلمة (أم) في قوله تعالى: ? قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ? ()، وهي ياء المتكلم التي تعدّ ضميراً مستقلاً، أي أن حذفها ليس كحذف حرف من بنية الكلمة. يقول: " ذلك لأنه كثر في الكلام، فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادون يحذفون الياء إلا من الاسم المنادى يضيفه المنادي إلى نفسه، إلا قولهم: يا ابن عمِّ، ويا ابن أمِّ، وذلك أنه يكثر استعمالها في كلامهم " ().

2 - الحذف كراهة التقاء الساكنين:

تكره العربية توالي الساكنين في مبانيها، ولذا تلجأ إلى التخلص من هذه الكراهة بعدة وسائل منها الحذف. وقد ارتأى المحدثون من علماء اللغة أن الحذف لكراهة التقاء الساكنين اختصت به العربية من بين سائر اللغات مراعاة للتكافؤ والانسجام في بنية الكلمة الواحدة، وفي اتصال الكلمة بغيرها، حتى يجيء الكلام العربي على هيئة مخصوصة، وبنية موسيقية منسجمة ().

فإذا التقى ساكنان في كلمة واحدة أو كلمتين جب التخلص من هذا الالتقاء إما بحذف أو لهما أو تحريكه، فيحذف الأول صوتاً وخطاً إن كان حرف مدّ (والحذف هنا في الحقيقة تقصير للصائت الطويل)، سواء كان الثاني منهما جزء من الكلمة، أو كالجزء منها ().

وقد فطن أبو عبيدة إلى هذه الظاهرة إيماء عندما تعرض لتعليل سبب حذف الألف من كلمة (اسجدوا) في قوله تعالى: ? أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? () فقال: " وهذه الياء التي قبل الألف في (اسجدوا) تزيدها العرب للتنبيه إذا كانت ألف الأمر فيها من ألفات الوصل نحو قولك: اضرب يا فتى، واسجد، واسلم " (). فحذف الألف هنا مرتهن بزيادة الياء التي هي للتنبيه، ولذا جاز حذف الألف من الكلمة اكتفاءا بالياء. وعلى هذا التوجيه كل من الفراء والأخفش ().

3 - الحذف للوقف:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير