تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدً

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 08:36 ص]ـ

من قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

دعوى لا دليل من نقل صحيح أو عقل صريح عليها، إذ ما حاجة الغني إلى من سواه من خلقه، حتى يتخذ منهم ولدا، على القول بأن "اتخذ" بمعنى: صير، فيكون في الكلام حذف للمفعول الثاني، فتقدير الكلام على ذلك: وقالوا صير الله بعضَ خلقه ولدا، وعلى القول بتعديه إلى مفعول واحد: يصير المعنى: وقالوا عمل أو صنع الله ولدا، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، وهي، أيضا، دعوى باطلة من جنس الدعوى الأولى، فالتقديران باطلان، على كل الأحوال، فالله، عز وجل، غني عن صنع الولد ابتداء، أو اتخاذه من خلقه، فغناه غنى مطلق، لا يحتاج معه إلى غيره، والولد إنما يستعين به والده، فمن ذا الذي يدعي لنفسه هذه المنزلة؟!!، وهل بلغت العقول حدا من الفساد قاست به بديع السماوات والأرض، الذي خلق الوالد وولده، والصانع وصنعته، على المخلوق الذي يفتقر إلى خشاش الأرض، فما دام المخلوق يلد، فخالقه يلد، ما أبطله من قياس تعالى الملك عنه علوا كبيرا!!!!.

سُبْحَانَهُ:

جملة اعتراضية تنزيهية للباري، عز وجل، إذ المقام مقام: رد دعوى نقص يتنزه الباري، عز وجل، عنها.

بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ:

بل: إضراب إبطالي لما سبق، فالحقيقة على عكس ما يعتقد أولئك الضلال فـ:

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: ملكا وتصرفا، فقدم ما حقه التأخير: "له" حصرا وتوكيدا وجاء بصيغة العموم: "ما" ليشمل عمومها كل الكائنات أعيانا وأوصافا، أقوالا وأفعالا، فكلها من خلقه، فالعموم محفوظ لا مخصص له من نقل أو عقل أو حس، فلا ذرة في هذا الكون تخرج عن مشيئته الكونية العامة، قد قهر الخلق فهو فوقهم، له الكبرياء في السماوات والأرض، لا يسأل عما يفعل لتمام قدرته وحكمته وهم يسألون.

و"أل" في "السماوات" و "الأرض": جنسية استغراقية لا مخصص لعمومها، فعمومها، أيضا، محفوظ، فأي مخلوق في أي مكان لا يملك الخروج عن أمره الكوني القاهر، وإن بلغ ما بلغ من العز والسلطان.

"كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ":

تأكيد لما سبق، و "كل": كما قرر الأصوليون: نص في العموم، وقدم هنا، أيضا، ما حقه التأخير لذات الغرض: الحصر والتوكيد، فكل له طائع خاضع، إما كونا وشرعا وهم المؤمنون، وإما كونا وإن خالفوا الشرع المنزل وهم الكافرون.

ومن حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، بإسناد متكلم فيه: "كل حَرْف في القرآن يُذكَرُ فيه القنوت فهو الطاعة".

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:

بديع: صفة مشبهة تدل على ثبوت الوصف للموصوف، فالله، عز وجل، هو المتصف بذلك أزلا وأبدا، فلا يقدر أحد، مهما بلغ طغيانه، على ادعاء ذلك، فهو من أخص صفات الربوبية، ومن تجرأ فاستخف قومه، فادعى الألوهية، لم يجرؤ على ادعاء خلق نفسه، فضلا عن أن يدعي خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق، فالإتيان بهذا الوصف الذي عجز البشر عن الاتصاف به، أو حتى ادعائه زورا أبلغ في إبطال اتصاف الله، عز وجل، باتخاذ الولد الذي هو من صفات الخلق، فالتباين بينهما: ذاتا وصفاتا، أمر لا ينكره إلا مجنون أو مكابر.

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: عموم سبقت الإشارة إليه، فالعمومات في هذا المقام محفوظة لتمام القدرة ونفاذ المشيئة.

وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:

"أمرا": نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، كما تقرر في الأصول، وهو أيضا: محفوظ، فإذا قضى الله، عز وجل، أمرا كونيا، بإحياء أو إماتة، برفع أو خفض، بإنجاء أو إهلاك .......... إلخ، فـ:

فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ: والبلاغيون يقولون عن "إنما" بأنها أضعف أساليب القصر، فكأن الكلام، لوضوحه، وتسليم ذوي الفطر السوية والعقول السليمة بمقتضاه لا يحتاج مزيد توكيد، فلا حاجة لاستعمال القصر بـ: النفي والإثبات، كما استعمل في الشهادة: "لا إله إلا الله"، إذ المنازع بلسان المقال أو الحال في شأن الألوهية أكثر من المنازع في شأن الربوبية، مع بطلان حجة كليهما، وإن كان أهل هذا الزمان قد وقعوا في صور من شرك الربوبية: من دعاء غير الله حال الشدة، واحتكام إلى غير شرعته ....... إلخ لم يقع أهل الأزمنة الغابرة فيها، وفي التنزيل: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)، واليوم إذا: ركب كثير من الجهلة الفلك دعوا الولي فلان أو الشيخ فلان!!!!!.

يَقُولُ لَهُ: فيه استدلال لطيف لأهل السنة في إبطال قول المعتزلة بخلق القرآن، إذ القول هو: "المُكَوِن"، فكيف يكون مُكَوَنا في نفس الوقت، فيلزم منه وجود قول آخر يكون: مُكَوِنا آخر، ويلزم الثالثَ رابعٌ ........... إلخ، فيؤدي ذلك إلى التسلسل في المؤثر، وهو أمر ممتنع.

كُنْ فَيَكُونُ: تعقيب يدل على طلاقة القدرة الإلهية.

والله أعلى وأعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير