تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تلوينات التغاير التصريفي في القراءات القرآنية]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:45 م]ـ

[تلوينات التغاير التصريفي في القراءات القرآنية]

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر

يميل بعض الناس إلى تخفيف الكلام توفيراً للجهد العضلي، وقصداً إلى التيسير الأدائي، فينزعون إلى تغيير بعض الأصوات ما أمكنهم التخفيف في نطقها، وتحقيق الانسجام فيما بينها. ويظهر هذا التغيير في بعض الصيغ، فيكون في صدر الكلمة أو في حشوها أو آخرها. وهذا التخفيف معروف لدى القدماء، ومشهور لدي أهل النحو بألفاظ متعددة منها؛ المضارعة، والمقاربة، والتقريب، والإتباع (). وهذه التغييرات في جوهرها مجرد أحوال عارضة تطرأ على الملفوظ لغرض صوتي ودلالي معاً.

والقراءات القرآنية توظف هذا التغاير في الصيغ على نحو جميل رائع، إذ تستثمر كل ما جادت به اللغة من أنماط هذه التغييرات تيسيراً على الناطقين بهذه اللغة، ومن ثمّ القارئين للقرآن الكريم. فنحن نلمس في هذه القراءات تغاير في صيغ الأفعال، أو تغاير في موضع الحركات، أو في تضعيف الحروف، أو غير ذلك مما سنلمسه بعد قليل.

* فمن ذلك ما نلمسه من قراءات في كلمة (واعدنا) () في قوله تعالى: ? وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ? ().

فنحن أمام وزنين صرفيين لصيغة معجمية واحدة هي (وعد)، والجمهور على قراءة الفعل بألف المفاعلة (وَاعَدَ) على وزن (فَاعَلَ). ومن قرأها على غير ذلك فهي على وزن المجرّد أي (فَعَلَ). ولكل قراءة وجهها الدلالي والبلاغي التابع للتلوين التصريفي.

فقراءة التجريد (وَعَدَ) بغير أف المفاعلة يتكئ أصحابها على أنّ معنى المفاعلة يقتضي الاشتراك بين طرفين، وهذا محال في هذه الآية لأنّ الوعد من الله ? وليس لموسى? وعد لله. يقول النحاس: " المواعدة إنما تكون من البشر، فأما الله ? فإنما هو المتفرد بالوعد والوعيد " ().

فالمفاعلة تفيد الاشتراك في أصل الفعل بين طرفين، وهذا غير قائم في هذه الآيات، لأن الله وحده هو الذي قام بالوعد، وليس هناك أي اشتراك في هذا الفعل من جانب آخر (). وأصحاب هذا التوجيه صدروا فيه من مبدأ التنزيه لله ?، وعدم توجيه الظنّ إلى اشتراك أحد معه في فعل من الأفعال، وذلك درءا لما قد يظنّه صاحب عقل فاسد، أو نحلة باطلة.

أما قراءة (واعدنا) بألف المفاعلة فأصحابها على توجيهها على معنى أن الوعد الأول من الله ?، ثم تلاه وأعقبه وعد من موسى ? بالقيام بما أُمر به إجابة للوعد الأول. وبذلك فإنّ المواعدة هنا تتضمن وعداً ووعداً، فكأنها أعمّ من الوعد فقط. يقول مكي: " عل’ من قرأ بألف أنه جعل المواعدة من الله ومن موسى، وَعَدَ اللهُ موسى لقاءه على الطور ليكلّمه ويناجيه، ووعدَ موسى المسير لما أُمِرَ به. والمواعدة أصلها من اثنين، وكذلك هي في المعنى ,. ويجوز أن تكون المواعدة من الله جلّ ذكره وحده. فقد تأتي المفاعلة من واحد في كلام العرب، قالوا: طَارَقتُ النعْل، ودَاوَيْتُ المريض، وعَاقبتُ اللص،. والفعل من واحد، فيكون لفظ المواعدة من الله خاصة لموسى كمعنى (وعدنا)، فتكون القراءتان بمعنى واحد " ().

ففي هذا الرأي يحدد مكي بن أبي طالب رأيه وتوجيهه الرائع لهذا التغاير في أمرين هما:

الأول: أنّ المواعدة حقيقة هنا تمت بين الله ? وموسى ?، لكنها مواعدة الآمر والمأمور، وعدََ اللهُ موسى التكليم وما فيه من أوامر، وَوَعََدَ موسى بالمسير والاستجابة لما يُؤمَر به.

والثاني: أن المواعدة قد تأتي في كلام العرب من جانب واحد فقط، ولذا فإن المواعدة هنا على كلام العرب من جانب الله ? وحده.

ويرى مكي أنه مع قراءة الفعل بألف المفاعلة لأنها تتضمن معناه بغيرها. يقول: " الاختيار (واعدنا) بالألف لأنه معنى (وعدنا) في أحد معنييه، ولأنه لا بد لموسى من وعْد أو قبول يقوم مقام الوعد، فتصح المفاعلة على الوجهين جميعاً " ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير