تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من صور تشبيه التمثيل في الحديث النبوي]

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 09:06 ص]ـ

[من صور تشبيه التمثيل في الحديث النبوي]

قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

(مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ).

فهو تشبيه تمثيل لأنه منتزع من صورة مركبة: الريح والطعم.

فالمؤمن قارئ القرآن: حلو الطعم، وهذا أمر قاصر، إذ الإيمان قاصر على العبد، طيب الرائحة، لأن قراءة القرآن يتعدى نفعها إلى السامع فيصير القارئ بمنزلة ناشر الريح الطيب فيمن حوله، والرائحة تتعدى دون مباشرة، بخلاف الطعم فإنه لا يتعدى إلا بمباشرة المطعوم. وهذا أعلى درجات الانتفاع.

وأما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن: فنفعه قاصر على نفسه، فالإيمان قد أطاب طعمه، ولكن لا ريح طيب له يجده من حوله.

وأما المنافق الذي يقرأ القرآن: فهو يبث ريحا طيبة فيمن حوله، وإن كان مر الطعم، فتصل بركة قرآنه إلى من حوله، وإن لم يستفد هو منها، لخبث جوهره.

وفي الذيل: المنافق الذي لا يقرأ القرآن، فلا طعم في نفسه، ولا ريح لغيره، فحاله حال من وصفه أبو الطيب المتنبي بقوله:

لا خيل عندك تهديها ولا مال ******* فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

وفي الحديث سبر وتقسيم عقلي بديع استوفى أصناف الناس في هذا الباب.

تماما كالسبر والتقسيم في حديث: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:

عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ).

والحديث عند أحمد، رحمه الله، في "مسنده"، والترمذي، رحمه الله، في "جامعه" من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه.

*****

ومنه أيضا:

قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ)

لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ: تشويق لما بعده، واعتذار عن بشاعة الصورة التي ستأتي، ففيه احتراس بتنبيه السامع بإيراد هذا الحكم، كما في حديث أم سليم، رضي الله عنها، قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟

مثل السوء: إضافة الموصوف إلى صفته.

الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ: تشبيه تمثيل بانتزاع صورة مركبة من كلب يأكل ما استقاء، فليس التشبيه بالكلب مطلقا، وإنما التشبيه بالكلب إذا رجع في قيئه، كما قيل في قوله تعالى: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وقوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)، فليس المقصود كلبا أو حمارا بعينه، وإنما عنى جنس الكلب اللاهث في الأولى، وجنس الحمار الغافل الذي يحمل ما لا يفقه في الثانية، فـ: "أل": جنسية لبيان الماهية، والجنس مظنة الشيوع في أفراده، فيصدق الوصف على كل كلب خالد إلى الأرض، وحمار يحمل من الأسفار ما لا يفقه، ولذلك أعرب ما بعدهما: نعتا لا حالا، لأن "أل" الجنسية تنزل منزلة النكرة من جهة عمومها.

ومن طريف ما وقع بين الشافعي وأحمد، رحمهما الله، أنهما تناظرا في حكم الرجوع في الهبة، فرأى الشافعي، رحمه الله، جوازه، لأن الكلب لا يحرم عليه الرجوع في قيئه، وإن كان فعلا مستقذرا، فرده أحمد، رحمه الله، إلى صدر الحديث: (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ)، فهو قرينة في تحريم هذا الفعل على المكلفين.

ويستثنى من ذلك بعض الصور كالرجوع في هبة الثواب إن لم ينل الواهب ما رجاه، كرجوع الخاطب فيما وهبه لمخطوبته من هدايا إن كان الإعراض من جهتها، وهبة الوالد إلى ولده، لحديث: (لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)، على تفصيل ليس هذا موضعه.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير