تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تغاير الصيغ توظيفياً في القرآن الكريم

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 01:29 ص]ـ

تغاير الصيغ توظيفياً في القرآن الكريم

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب - جامعة كفر الشيخ

من مظاهر الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم تنوع توظيف الصيغ المشتقة من أصل واحد. فمن المعلوم أن لكل كلمة عربية مشتقة جذراً لغوياً هو الأصل في كل الصيغ التي اشتقت منه. وهذا الجذر غالباً ما يكون ثلاثياً مكون من ثلاثة أحرف. وهذا الأساس الاشتقاقي موظف في السياق القرآني على شكل جمالي فريد، ولذا كان لا بد من الوقوف على تنوعات الاشتقاق من الجذر الواحد في هذا السياق، وإدراك فنيات التلاؤم الدلالي بين هذه الصيغ.

وعند البحث في ظاهرة مثل هذه لا بد من تقسيمها إلى جزئيات ليتسنى لنا الوقوف بالتفصيل على مفرداتها. ويمكننا تقسيم ظاهرة تغاير الصيغ إلى ثلاثة أقسام هي:

1 - تغاير الصيغ الفعلية ذات الأصل الاشتقاقي الواحد.

2 - تغاير صيغ المشتقات ذات الأصل الاشتقاقي الواحد.

3 - تغاير صيغ المصادر الراجعة إلى أصل اشتقاقي واحد.

ولنقف الآن على فنيات التوظيف في كل قسم.

أولاً: تغاير الصيغ الفعلية ذات الأصل الاشتقاقي الواحد

ينهج القرآن الكريم في توظيفه للأفعال نهجاً فريداً، إذ يوظف هذه الأفعال بكل تشكيلاتها الصرفية في سياقات متنوعة، تتلاءم وهذه السياقات. هذا بالرغم من الاتحاد الصيغي لهذه الأفعال في عودتها إلى (مادة لغوية واحدة)، لكن مراعاة مبدأ التناسب النصي والدلالي هو الحاكم في هذا التنوع الوظيفي. ولذا فإننا هنا معنيون بالوقوف على حكمة اختصاص كل آية بصيغة فعلية موظفة فيها، لأنه من المعلوم أن لا ترادف بين الصيغ الفعلية، ولا بد من وجود فروق دلالية دقيقة بين هذه الصيغ.

ويرى د. عودة الله القيسي أن محاولة الوقوف على الفروق الدلالية الدقيقة بين الصيغ الفعلية المشتقة يتحدد بثلاثة عناصر " الأول: مادة الكلمة والجذر الثلاثي لها، وهو أساس معناها. والثاني: صيغة الكلمة الاشتقاقية؛ فعلاً أو اسم فاعل أو صيغة مبالغة. والثالث: موضوع وهدف السياق الذي وردت فيه " ().

ولنمثل الآن ببعض الأمثلة القرآنية للتدليل على هذه الظاهرة.

* من ذلك قوله تعالى: ? إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ? ().

* وقوله تعالى: ? أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? ().

فقد وظف القرآن الكريم في الآيتين فعلين هما (يبْدَأ) على وزن (يفْعَل) وماضيه (فَعَلَ)، و (يُبْدِئ) على وزن (يُفْعِل) وماضيه (أَفْعَل)، وهما من أصل اشتقاقي واحد هو (البدء)، غير أنهما لا يعودان إلى صيغة اشتقاقية واحدة. فالفعل (يَبْدَأ) هو مضارع الثلاثي (بَدَأَ) تقول: (بدَأَ، يبْدَأ، بَدءا)، والفعل (يُبْدِئ) رباعي، تقول: (أبْدَأُ، يُبْدِئُ، إِبْدَاء).

وقد ورد الفعل (يَبْدَأ) بهذا اللفظ في القرآن الكريم في (6 ستة مواضع) ()، تدور جميعها على سياق بدء الخلق وإعادته مرة أخرى، وعن نفي هذه القدرة عن غير الله سبحانه وتعالى، وقصرها عليه وحده عز وجل. يقول تعالى: ? إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ? ()، فالكلام في الآية يدور على معنى خلق الكون والكائنات عند بداية الخلق. يقول الزمخشري: " الغرض ومقتضى الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير