[عن الكناية والمجاز في حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم]
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 05 - 2008, 08:22 ص]ـ
في حديث: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ).
كناية عما يستقبح ذكره، فاحتمال بيتوتة اليد في محل مستقذر، هو موجب غسلها بعد الاستيقاظ من النوم.
*****
وفي حديث: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ).
كناية عن الجماع بالإتيان، فهو، أيضا، مما يستقبح ذكره صراحة.
*****
وفي حديث: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَلَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا)
كناية عن الخارج من البدن بالغائط وهو: الأرض المطمئنة، وكانت العرب ترتادها طلبا للاستتار حال قضاء الحاجة، ثم صارت مجازا مشتهرا، أو حقيقة عرفية في الخارج من البدن، فتقدم على الحقيقة اللغوية مع كونها مجازا، والأصل: حمل الكلام على الحقيقة إذا دار بين الحقيقة والمجاز، ولكن لما كان المجاز هنا مشتهرا بحيث صح إنزاله منزلة الحقيقة العرفية صارت دلالته على معنى الخارج من البدن أقوى من دلالته على الأرض المطمئنة، فيقدم أقوى المعنيين.
يقول الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله: "الغائط: المطمئن من الأرض ينتابونه للحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث، كراهية لذكره بخاص اسمه". اهـ
"إحكام الأحكام"، ص 98، 99.
ويقول ابن دقيق العيد رحمه الله: " (الغائط) في الأصل: هو المكان المطمئن من الأرض، كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة، ثم استعمل في الخارج. وغلب هذا الاستعمال على الحقيقة الوضعية، فصار حقيقة عرفية". اهـ
"المصدر السابق"، ص 101.
فإما أن يقال بأن في الكلام: كناية عما يستقبح ذكره.
وإما أن يقال بأن فيه: مجازا مرسلا علاقته: "المحلية"، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه، ومن ثم صار هذا المجاز: مجازا مشتهرا نزل منزلة الحقيقة العرفية التي تقدم على الحقيقة اللغوية.
والقول بأنه من باب الحقيقة العرفية أرجح من جهة أن العرف قد رجح معنى على آخر، حتى صار الأخير: مهجورا فلا يكاد يعرفه إلا آحاد المشتغلين بعلوم العربية، فصار المتبادر إلى الذهن عند إطلاقه: الخارج الحال لا المحل، فلا يكون في الكلام مجاز على هذا الوجه، وطالما أمكن حمل الكلام على حقيقته على وجه صحيح فلا داعي إلى تكلف علاقات وقرائن المجاز.
ومثله لفظ: "العذرة"، فحقيقته اللغوية: فناء الدار، ولكنه صار أيضا: مجازا مشتهرا في الخارج من البدن، فنزل منزلة الحقيقة العرفية، لأنهم كانوا يلقون فضلة الأبدان فيه، فعلاقته هي نفس علاقة: "المحلية" في الغائط.
ومثله، أيضا، لفظ: "الخلاء":
يقول ابن دقيق العيد رحمه الله: "الخلاء بالمد في الأصل: هو المكان الخالي. كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة. ثم كثر حتى تجوز به عن غيره". اهـ
"إحكام الأحكام"، ص 97.
*****
وفي حديث: (شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ).
مجاز إسنادي، بإسناد فعل: "التشييب" إلى هود وأخواتها، والله، عز وجل، هو الذي خلق الشيب وأسبابه، فهو المشيب حقيقة، فصحت نسبة الفعل إليه نسبة قدرية كونية.
وقد يقال إن في الكلام مجازا من نوع آخر، وهو: مجاز الحذف، كأن يقدر مضاف نحو: شيبتني قراءة أو مواعظ أو زواجر هود وأخواتها، ومن ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
ومنكر المجاز يجيب على ذلك بأن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أمر قد اطرد في لغة العرب، فالمخاطب يدرك مراد المتكلم ابتداء دون أن يضطر إلى إعمال ذهنه في علاقات وقرائن المجاز العقلية.
وإليه أشار ابن مالك، رحمه الله، بقوله:
وما يلي المضاف يأتي خلفا ******* عنه في الإعراب إذا ما حذفا
*****
ومن ذلك أيضا:
¥