تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[السر في ورود ابن السبيل مفردا بصورة مطردة في الكتاب العزيز]

ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:01 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فمن لطائف التعبير القرآني، ما ورد من إفراد لفظ ابن السبيل حيث ورد في القرآن، وابن السبيل هو الذي أنشأ سفرا مباحا، أو انقطعت به السبل في البراري والقفار، وكان ذلك في القديم حين كان التنقل على الأقدام أو الركائب البطيئة السير، ولم يكن ثمت سيارات، أو استراحات أو منازل ينزل فيها هذا المسافر، فلفت القرآن، أنظار الناس إلى هذا المنفرد الذي قد لا يفطن إليه الكثير لغربته، وعدم معرفة أهل البلدة به، وبين لهم أنه وإن كان مع جماعة فهم في حكم الواحد المنفرد لغربتهم وبعدهم عن أهليهم وأوطانهم، كما أن التعبير بلفظ المفرد يشير إلى ما يكون عليه المسافر في الغالب من الانفراد والوحدة، فالتعبير عنه بالمفرد من باب الإشارة إلى ما هو عليه في الواقع، تعطيفا للقلوب على من هم في مثل تلك الحال الداعية إلى العطف وزيادة الرأفة.

ومما يؤيد ذلك أن إفراد ابن السبيل جاء مطَّردا في الذكر الحكيم في مواضع الأمر بالصدقة على المحتاجين، أو الترغيب فيها، وبيان أوصاف أهل البر والتقوى، فجاء التعبير عنه بهذا الأسلوب لفتا لأنظار أهل البر إلى أن يولوه مزيد عطف ورعاية؛ لانفراده وغربته.

يقول الإمام الألوسي رحمه الله عز وجل في التعليل لإفراد ابن السبيل مع مجيئه في سياق كله مجموع، عند قول المولى جل جلاله: ?لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ? (البقرة:177) «? وَابْنَ السَّبِيلِ ? أي: المسافر كما قاله مجاهد، وسمي بذلك؛ لملازمته الطريق في السفر أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته، وكأن إفراده لانفراده عن أحبابه ووطنه وأصحابه، فهو أبداً يتوق إلى الجمع، ويشتاق إلى الربع، والكريم يحن إلى وطنه حنين الشارف إلى عطنه؛ أو لأنه لما لم يكن بين أبناء السبيل، والمعطي تعارفٌ غالباً يهوِّن أمر الإعطاء ويرغب فيه أفردهم؛ ليهون أمر إعطائهم؛ وليشير إلى أنهم وإن كانوا جمعاً ينبغي أن يعتبروا كنفس واحدة، فلا يضجر من إعطائهم؛ لعدم معرفتهم وبعد منفعتهم فليفهم» ()

كما يقول ابن عرفة رحمه الله تعالى «فإن قلت: لم جمع الكل وأفرد ابن السبيل؟ قلنا: لِكثرتهم باعتبار الوجود الخارجي وقلة ابن السبيل «()

2 - ومن ذلك أيضا ما ورد من إفراد «ذي القربى» في القرآن الكريم [في بعض المواضع]، لفتا للأنظار إلى أنهم أولى من غيرهم بمزيد الاهتمام والرعاية، فينبغي أن يعاملوا بالمودة والرأفة وأن يسوي بينهم في الود، وأن يكونوا في نظره كفرد واحد.

وذلك لأن القريب بضعة من قريبه على خلاف الأبعدين، ولأن ذوي القرابات مهما كثروا ينبغي أن ينظر الإنسان إليهم على أنهم فرد واحد فيعطيهم – على كثرتهم – ولا يضجر منهم، فقد يكون منهم المسكين أو الفقير صاحب اللسان السليط، مما قد يجلب عليه غضب قريبُه الغني فيمنع عنه عطاءه ورفده، ولذلك حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الأقرباء، وإن جاروا، كما في الحديث:? أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ? ()، والكاشح: المُبْغِض المضمر للعداوة، فحض القرآن على إعطائهم وعدم منعهم ثم إنهم مهما فعلوا فلن تزول قرابتهم يوما ما.

يقول الإمام الألوسي رحمه الله تعالى في التعليل للإفراد في قوله تعالى:?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ? (النحل:90): «وأفرد ? ذِي الْقُرْبَى? كما في البحر؛ لأنه أريد به الجنس؛ ولأن إضافته إلى المصدر يندرج فيه كل ذي قرابة، وكأن فيه إشارة إلى أن ذوي القربى وإن كثروا كشيء واحد لا ينبغي أن يضجر من الإحسان إليهم» ()

ولذلك عبر القرآن عنهم بإضافة «ذو» الدالة على ثبات ما أضيفت إليه ولزومه؛ فالقريب لن يكون يوما بغريب عن قريبه، ولن تزول القرابة مهما تقادم العهد؛ كما قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: «لأن القرابة ثابتة لا تتجدد و «ذو» كذا لا يقال في الأغلب إلا في الثابت ألا ترى أنهم يقولون لمن تكرر منه الرأي الصائب «فلان ذو رأي» ويكاد لا تسمعهم يقولون لمن أصاب مرة في رأيه كذلك، وكذا نظائر ذلك من قولهم: «فلان ذو جاه» و «فلان ذو إقدام»، والمسكنة لكونها مما تطرأ وتزول لم يقل في المسكين ذو مسكنة» ()

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير