تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تلوينات الحذف في الجملة القرآنية]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:38 م]ـ

[تلوينات الحذف في الجملة القرآنية]

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر

الحذف كما يعرفه د. طاهر حمودة " ظاهرة لغوية عامة تشترك فيها اللغات الإنسانية، حيث يميل الناطقون إلى حذف بعض العناصر المكررة في الكلام، أو إلى حذف ما يمكن للسامع فهمه اعتماداً على القرائن المصاحبة حالية كانت أو عقلية أو لفظية " ().

وإذا كان الحذف لجزء من أجزاء الكلمة مسوقاً لغرض التخفيف في الأداء النطقي، فإن الحذف على مستوى التراكيب ينساق في هذا الإطار، سواء كان الحذف للكلمة أو للجملة في إطار التراكيب، وذلك بشرط ألا يؤثر هذا الحذف على وضوح معنى العبارة أو لفظها بمداخلات الإبهام أو اللبس أو الإخلال بالمعنى واللفظ. كما أن الحذف " إنما يتم لوجود دليل أو قرينة على المحذوف فيستبين المعنى " ().

وتتعدد الأسباب الداعية إلى الحذف في سياق التراكيب، فمنها ():

1 - التخفيف.

2 - الإيجاز والاختصار.

3 - الاتساع.

4 - التفخيم والإعظام.

5 - صيانة المحذوف عن الذكر تشريفاً له.

6 - التحقير.

7 - الجهل بالمحذوف.

8 - رعاية الفاصلة في القرآن الكريم.

والحذف في خالص أمره ظاهرة أسلوبية بارزة في سياق الكلام العربي، تناولها أهل النحو البلاغة والبيان بالدرس والتفصيل، ووقفوا على قيمتها الجمالية، وإسهامها البياني في السياق الملفوظ والمكتوب. يقول سيبويه: " والحذف في كلامهم كثير، إذا كان في الكلام ما يدل عليه " ().

وقد وظّف القرآن الكريم فنية الحذف في سياق تلويني رائع يعتمد على إفادات المقام في أروع تعبيراته لمعاضدة هذه الفنية، إذ لكل كلمة في الآية مكانها المناسب المتناسق مع باقي الكلمات ومعانيها، والمتفِّق مع السياق العام لهذه الآية.

والتعبير القرآني المعجز قد يوظف كلمة أو جملة في آية ثم يحذف هذه الكلمة أو الجملة في آية أخرى مشابهة للأولى، وتتسق مع موضوعها، فيكون الذكر والحذف في الآيتين مقصوداً، ومتفقاً مع دلالات السياق، ومبرزاً للإعجاز البياني فيهما معاً. فمن ذلك ما نلمسه في:

- قوله تعالى: ?وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ? ().

- قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ? ().

فقد ذكر في الآية الأولى جملة (بعد علم) بحذف حرف الجر (من)، وفي الثانية ذكر جملة (من بعد علم) بذكر حرف الجر (من)، فما سر هذا الذكر والحذف هنا؟

والملاحظ أن آية سورة الحج ذكر فيها حرف الجر (من) في (6 ستة مواضع)؛ خمسة منها قبل جملة (من بعد علم)، وكلها أفادت معناها الذي سيقت من أجله، إلا التي في جملة (من بعد علم) فإن النظم مع سقوطها ملتئم، والمعنى تام مكتمل، فاستوى وجودها وحذفها من جهة المعنى، فناسب ذكرها ظاهر النظم للتناسب في هيكلة هذا النظم ().

ويرى الكرماني أن حذف (من) في آية سورة النحل فيه نوع من التناسب النظمي " لأنه أجمل الكلام في هذه السورة فقال: (وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ)، وفصّله في الحج فقال: (خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ) الآية، فاقتضى الإجمال الحذف، والتفصيل الإثبات، فجاء في كل سورة ما اقتضاه الحال " ().

إذن مراعاة سياق التعبير، وحال النظم والتركيب في الآيتين هو الداعي إلى لمح فائدة ما حذف وما ذكر، وسبب هذا الحذف والذكر.

ويمكننا تلمس سياقات التلوين بالحذف في القرآن الكريم من خلال المباحث التالية:

1 - حذف الأسماء:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير