تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من حديث: (إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ ........ )

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 09 - 2008, 03:01 م]ـ

من حديث: (إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ).

وفي رواية: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ)

فتحت:

بالتشديد فيها معنى المبالغة، والمبالغة إما أن تكون من جهة: كثرة أبواب الجنة، فلكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل، أو من جهة: المبالغة في فتح أبواب الجنة رحمة بالعباد، كما يقال في حق الملك العادل: بابه مفتوح لكل من جاءه في حاجة، ولله المثل الأعلى. وقد بني الفعل لما لم يسم فاعله، للاستغناء بمعرفته جل وعلا.

وغلقت أبواب جهنم: ويقال فيها عكس ما قيل في أبواب الجنة، فطباق الإيجاب في: "فتحت" و "غلقت"، و "الجنة" و "النار" في الرواية الثانية يرسم صورة ذات شقين في ذهن السامع: شق نجاة ونعيم، وشق هلاك وسعير، فتكتمل الصورة، ويرسخ المعنى في الذهن رسوخا، وتعريف الشيء بضده أوقع في النفس من تعريفه بحد شارح، جامع مانع .......... إلخ من محترزات تعريفات المناطقة التي عسرت اليسير وأشكلت الواضح!!!.

وفي رواية: "صفدت الشياطين": زيادة في مبنى: "صفدت" بتشديد الفاء تدل، أيضا، على زيادة في معنى تصفيد الشياطين رحمة ببني آدم في تلك الأيام المباركات.

والشياطين المصفدة هي: مردة الشياطين، كما في رواية: (صفدت مردة الشياطين)، فيكون في رواية مسلم، رحمه الله، إجمال بينته رواية: أحمد رحمه الله: (وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ)، والنسائي رحمه الله: (وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ)، أو يقال:

في رواية مسلم: إيجاز بالحذف، إذ حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، أو عموم أريد به خصوص المردة، فيكون مجازا عند من يقول به.

وذكر القاضي، عياض، رحمه الله، للكلام وجها يكون فيه فتح أبواب الجنان: كناية عن تنزل الرحمات والإقبال على الطاعات، وغلق أبواب النيران: كفا عن الموبقات، فيكون قد أطلق المُسَبَب: الفتح والغلق، وأراد سببه: فعل الخير والانكفاف عن الشر، وهذا، أيضا، مجاز عند من يقول به.

ولا يعني ذلك أن القاضي، رحمه الله، يؤول الأبواب بالأعمال، ليتوصل بذلك إلى نحو ما ذهب إليه أتباع جهم من عدم خلق الجنة والنار إلى الآن فلا تخلقان عندهم إلا يوم القيامة، فهو، رحمه الله، أجل من ذلك، وإنما أجرى المسألة:

مجرى الكناية، والكناية: انتقال من ملزوم إلى لازمه مع صحة إرادة كليهما، فيصح أن يراد بذلك: المسارعة في الخيرات واجتناب الموبقات المستلزم فتحَ أبواب الجنان وغلق أبواب النيران، والنكات لا تتزاحم، كما يقول أهل العلم، فيحمل الكلام على الحقيقة، وهي الأصل، ولا يصار إلى المجاز، وهو الفرع، عند من يقول به، إلا إذا جاءت القرينة المعتبرة التي تسوغ ذلك، وفي باب كباب السمعيات الغيبية: لا يصح أن تكون القرينة عقلية، لأن العقل لا يستقل بإدراك كنه ما غيب عنه، وإن أدرك معناه الكلي، ولذلك أنكر أهل العلم على من خاض في باب الصفات الإلهية، فأول، بزعم التنزيه، وجعل عمدته في ذلك: المجاز ذي القرينة العقلية!!!، وعقل لا يستقل بإدراك ما واراه الجدار، كيف ساغ له أن يخوض في كنه صفات رب البريات، عز وجل، فيستدرك على الوحي المعصوم بتأويلات متكلفة هي إلى الألغاز أقرب منها إلى البينات؟!!!!.

وفي رواية الترمذي زيادة:

(وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ):

وفيها: طباق بالإيجاب يفيد، أيضا، استحضار الصورة بشقيها: "الخير" و "الشر"، و "أقبل" و "أقصر".

وأداة النداء واحدة، ولكنها اختلفت في مدلولها البلاغي تبعا لاختلاف المنادى:

ففي: "يا باغي الخير أقبل": النداء بأداة نداء البعيد: بيان لارتفاع مرتبته.

وفي: "يا باغي الشر أقصر": النداء بأداة نداء البعيد: بيان لانحطاط مرتبته.

فصارت الأداة الواحدة من قبيل "الألفاظ المتضادة": إذ أفادت المعنى وضده تبعا للسياق الذي جاءت فيه.

تماما كما تقول:

لمن تحب وتعظم: أفلان إنك قريب من قلبي.

ولمن تبغض وتحقر: أهذا الذي ذكرت لي من محاسنه ما ذكرت؟!!!!، مستنكرا على طريقة: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!!!!.

وكما تقول معظما: أيا مولاي، فتنادى عليه نداء البعيد وهو بجوارك تعظيما.

وكما تقول محقرا: أيا هذا، فتنادى عليه نداء البعيد وهو بجوارك تحقيرا، فهو، وإن كان بجوارك إلا أنه بلغ قدرا من الضآلة صح معه نداؤه نداء البعيد الذي دق شخصه.

وفي قوله: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ": حصر وتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، كما قرر البلاغيون، فلا يعتق من النار إلا خالقها عز وجل.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير