تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" إذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين "!

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 05:55 ص]ـ

:::

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال تعالى: " وأنذرْهُمْ يومَ الآزفةِ إذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين ما للظالمينَ من حميمٍ ولا شفيعٍ يُطاع " (غافر / 18).

جاءت الآية الكريمة في سياق الحديث عن يوم القيامة، ومصير الكافرين فيه، وجاء هذا النص الكريم متممًا المشهد، عارضًا إياه عرضًا تصويريًا مؤثرًا، خلع عليه كثيرًا من سمات التهويل، وملامح التخويف.

والحديث سيتركز على جملة: " إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين "؛ حيث اكتسى وصف يوم الآزفة بهذه الجملة، حالة بليغة من أحوال الخوف، والفزع، والكرب، وشدة الاضطراب، وأنبأت الجملة ــ بلفظها البديع الموجز ــ عن الكثير مما يتلبس القوم في ذلك اليوم، والقلوب لدى الحناجر!

فتعبير القرآن عن حالة الكافرين يوم القيامة، بأن قلوبهم لدى الحناجر، ينتهي بذوي الحس والعقل، إلى تأمل الدقة في وصف هذه الحالة الرهيبة التي رسمها البيان القرآني بروعة آسرة، واتكأ ــ في رسمها ــ على أسلوب الكناية.

فبلوغ القلوب الحناجر: كناية عن فرط الفزع، وشدة الهلع، وعظم الخوف والجزع،: "حتى لكأن مشاعر القلق والخوف تتصاعد بالقلب، فتعلو به إلى حيث يقذف، ووجه هذه الكناية: أن القوم كانوا يعتقدون أن الخائف يتقلص قلبه، ويجتمع، ويلتصق بالحنجرة، وتنتفخ رئته من شدة ما يجد، وإذا انتفخت الرئة، ارتفع القلب بارتفاعها، ولهذا قالوا للجبان: انتفخ سُحْرُه، أي: انتفخت رئته، فبلوغ القلوب الحناجر من لوازم هذه الأحوال، فلذلك وقع كناية عنها" (1)

وصورة الكرب الشديد هنا: ماثلة في تلك القلوب التي شخصت من مكانها، وارتفعت حتى التصقت بالحلوق، فلا هي تخرج فيموتوا ويستريحوا، ولا هي تعود فيتنفسوا، ويتروحوا، لا هذه، ولا تلك (2).

على أن بعضهم رأى في التعبير هنا: جواز المعنى الحقيقي (3)، وهو: أن هذه الحالة حقيقة حاصلة يوم القيامة، فكأن التعبير الكنائي الذي يحدث في الدنيا، تحول إلى معنى حقيقي يوم القيامة من شدة الهول الذي يغشى القلوب، فشتان ما بين الكرب هنا، والكرب هناك، وفي التعبير بالمعنى الحقيقي عن حالة الهلع والخوف ما لا يقل عن التعبير الكنائي الذي تراءى للناظرين إليه.

وأشارت (لدى) إلى معنى: لصوق القلوب في الحناجر، والتمكن منها، فكان اصطفاؤها في هذا الموضع دون: (عند) (4)؛ لتصويرها في صورة المأمور يترقب صدور الأمر من آمره، ليتصرف وفق مراده، وفي ذلك بيان لمحاولتها لحظة تتسع فيها الحناجر لتخرج منها.

(1) من أسرار التعبير القرآني، د. محمد أبو موسى (99).

(2) ينظر: تفسير الكشاف: (4/ 153)، و المحرر الوجيز: (4/ 552)، و التفسير الكبير: (27/ 44)، و التحرير والتنوير: (24/ 172)، وغيرها.

(3) ينظر: المحرر الوجيز: (4/ 552)، والبحر المحيط: (7/ 438).

(4) ينظر في الفرق بين (لدى)، و (عند): الفروق اللغوية: (246).

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 06:01 ص]ـ

وقد أضيف قيد للصورة السابقة المهيبة، وهو قوله: (كاظمين)، فزاد التهويل تهويلاً، والتخويف تخويفًا؛ إذ أحاط به مجموعة من الرؤى، والإيحاءات، تسامت بالتعبير، وارتقت بالتصوير:

فالكظم في اللغة: ((الإمساك، والجمع للشيء، من ذلك: الكظم: اجتراع الغيظ، والإمساك عن إبدائه، وكأنه يجمعه الكاظم في جوفه)) (1)

وجاء في المفردات: ((الكُظُوم: احتباس النفس، ويعبر به عن السكوت)) (2).

ولفظ: (كاظمين):حال من أصحاب القلوب الذين يدل عليهم معنى الكلام السابق.

وتبدو الشدة في الموقف، والهول في المشهد ماثلة في أن القوم قد بلغ بهم الخوف، والهم ما بلغ حتى صارت القلوب لدى الحناجر، ثم هم ــ فوق ذلك ــ كاظمون، عاجزون عن الكلام، وبث الشكوى، كأن نفوسهم امتلأت همًا وكربًا شديدًا، لا يقدرون على التخفيف منه؛ لأن ألسنتهم انعقدت، فلا تقوى على كلام، وكظم الهم أوجع في القلب من الهم نفسه (3).

وتقرر في التعبير بقوله: (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) أمران، هما: الخوف الشديد، مع العجز عن الكلام: " فإن الملهوف إذا قدر على الكلام، وبث الشكوى، حصل له نوع خفة وسكون، وإذا لم يقدر، عظم اضطرابه، واشتد حاله " (4).

(1) المقاييس في اللغة: (928)، مادة: (ك. ظ. م).

(2) المفردات: (712).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير