تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التلوين بالمحسنات الصوتية في القرآن الكريم]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[26 - 05 - 2008, 09:27 م]ـ

[التلوين بالمحسنات الصوتية في القرآن الكريم]

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ

اهتم أهل البلاغة في إطار بحوثهم الجمالية لتصرفات المباحث البلاغية بصور مختلفة من الألوان البديعية الصوتية التي لها مزية حسن الوقع السمعي، والتي صُُنِّفَت مندرجة تحت مسمى (المحسنات اللفظية). وهذا الاهتمام بالأثر الصوتي لهذه المحسنات الصوتية، يصدر عن نزعة جمالية لديهم.

ولا شك أننا نجد في الشعر الجيد إيقاعاً موسيقياً غير متولد عن معانقة الوزن فقط، بل هو ناتج عن علاقات نسقية بين الألفاظ من الناحية الصوتية، وما يتخلل ذلك من الاتكاء على معطيات النبر والتنغيم عند الأداء الصوتي لهذا الشعر. وهذا الإيقاع الموسيقي الناتج عن مثل هذه العلاقات النسقية لا نستطيع أن نفصله عن ألوان الإيقاعات الأخرى داخل السياق الأدائي، لأنها جميعاً تتداخل معاً لتنتج لنا مزيجاً صوتياً عذباً، يتآلف مع المقومات الأخرى للعمل الفني كالصور والأخيلة والمعاني والانفعالات. على أنه يجب الحذر من الإسراف في تنمية مثل هذه العلاقات الصوتية لأن ذلك سيؤدي إلى نشاز جمالي داخل السياق الكلي للعمل الفني. فهذه العلاقات يجب أن يكون مقدارها موازياً لمقدار الإيقاع، ومنضبطة معه.

ونجد عند ابن سنان لمحات عبقرية إذ أدرك الأثر الجمالي لهذه العلاقات الصوتية، وتمثلها في نواح متعددة داخل السياق الإبداعي، بل وجعلها شرطاً من شروط الفصاحة، وهي ما سماه (المناسبة بين اللفظين)، وهي عنده على ضربين هما ():

الأول: مناسبة بين اللفظين من طريق الصيغة.

والثاني: مناسبة بين اللفظين من طريق المعنى.

وقد جعل ابن سنان المناسبة اللفظية متمثلة في ألوان البديع الصوتي مثل: (السجع، والازدواج، والجناس، والترصيع) ().

وابن سنان بهذا الصنيع يكون سابقاً للدراسات التعبيرية الحديثة عندما تعقد للأصوات في وضعها التعبيري أهمية قصوى لأنه " ثمة إمكانات تعبيرية كامنة في المادة الصوتية. هذه التأثيرات تظل كامنة في اللغة العادية حيث تكون دلالة الكلمات التي تتآلف منها، والظلال الوجدانية لهذه الكلمات بمعزل عن قيم الأصوات نفسها، ولكنها تتفجر حيثما يقع التوافق من هذه الناحية. إذن فثمة مجال بجانب علم الأصوات بمعناه الدقيق لعلم أصوات تعبيري " ().

هذا العلم بمعناه الجديد هو عين ما عناه جان كوهين باسم علم (الأسلوبية الصوتية) ()، وهي تلك الأسلوبية التي تنبع أصلاً من الدلالة الصوتية للكلمات. ويجعل كوهين هذه الدلالة على شقين هما:

الأول: دلالة الوزن والقافية الشعرية.

والثاني: الدلالة الصوتية الذاتية للكلمات المنتظمة داخل النسق الشعري.

والشق الثاني هو مناط الاهتمام في هذا المقام ().

ويرى بيير جيرو أن " في حوزة اللغة نسقاً كاملاً من المتغيرات الأسلوبية الصوتية، ويمكن أن نميز من بينها: الآثار الطبيعية للصوت، والمحاكاة الصوتية، والمد، والتكرار، والجناس، والتناغم " ().

كما أن هذه المحسنات الصوتية في توظيفها الصوتي تكون منطلقاً للوعي والتأثير. " فالشاعر حينما يكرر حرفاً بعينه، أو مجموعة من الحروف، إنما يكون لهذا مقصد ومغزى يعكس شعوراً داخلياً للتعبير عن تجربته الشعرية. وقد يتفوق الجرس الصوتي على منطق اللغة فيخرج عن قيد الصوت المحض إلى فيض الدلالة التي تحرك المعنى وتقويه. وليس من شك في كون الشاعر دائماً ما يحمل هم إحداث التناغم بين الذات والصوت، وهو في ذلك يرتكز على قيمتين تختزنهما أبجدية الحروف اللغوية هما: الأثر السمعي والمعنى " (). كما أن لهذه المحسنات أهمية قصوى في الإسهام بفاعلية في إنتاج بنية التوازي " التي يحظى فيها الصوت حتماً بالأسبقية على الدلالة " ().

والتلوينات (التنويعات) الصوتية التي تزخر بها اللغة، بما لها من أثر تحسيني في بنية الأداء لهذه اللغة، هو ما دفع البلاغيين إلى مراقبة البنية التكوينية للجملة، والتدقيق في رصد الخواص الصوتية التي تتصل بعملية التحسين في هذا السياق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير