[آية جمعت ضروبا من البلاغة]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[19 - 08 - 2008, 07:58 م]ـ
من إيجاز الكتاب العزيز قوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة " لأنه قد أجمع النقاد على أن أبلغ كلام قيل في هذا المعنى قول القائل: " القتل أنفى للقتل " وإذا نظرت بين هذا الكلام وبين لفظ القرآن وجدت هذا الكلام ليس فيه من ضروب البديع سوى الإيجاز، مع كونه لم يخل من عيب، ووجدت لفظ القرآن قد جمع الآجام والإيضاح والإشارة والكناية والطباق وحسن البيان والإبداع.
فأما الإيجاز
فلأن اللفظ المماثل من لفظ القرآن للأول هو قوله تعالى: " القصاص حياة " وهو عشرة أحرف
وأما الإيضاح
فإن لفظة القصاص أوضحت المعنى المراد، إذ هو قتل مقيد، لا قتل مطلق
وأما الإشارة
ففي قوله سبحانه: " حياة " فإن هذه اللفظة أشارت إلى أن القتل الذي أوجبه العدل يكف القتل الذي يأتي به العدوان، وفي ذلك حياة الأحياء.
والكناية
في قوله تعالى: القصاص فإنه كنى بهذه اللفظة عن الموت المستحق الذي يوجبه العدل.
وأما الطباق
ففي قوله " القصاص حياة " لأن القصاص الموت، فكأنه سبحانه قال: الموت حياة، وهذا طباق معنوي.
وأما حسن البيان
فكون المخاطب فهم المراد من هذا النظم من غير توقف
وأما الإبداع
فلأن في كل لفظة من هذا الكلام عدة من المحاسن
وأما السلامة من العيوب
فلأن الكلام خلا عن التكرار الذي يقع فيه الكلام
عن تحبير التحرير
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 06:51 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي محمد على هذا الاختيار البديع من جهة إيجاز عبارته، وعظيم فائدته، وترتيب أفكاره، انتقاء موفق كالعادة.
وقد يقال أيضا أن في اللام في: "لكم": معنى الاختصاص، فهو مما اختص به المخاطبون فضلا من الله، عز وجل، ومنة، مع أن ظاهره، قد يبدو، لمن لم يتضلع من حِكم الشريعة وأسرارها، مفسدة لا مصلحة، بإلحاق نفس القاتل بنفس المقتول، فتكون الخسارة مضاعفة، ومع التسليم بوقوع نوع مفسدة بإتلاف نفس القاتل، إلا أن هذه المفسدة الصغرى لا تقارن بالمفسدة العظمى المترتبة على عدم قتله، إذ ذلك داع إلى استباحة الدماء والاستخفاف بأرواح الأبرياء، كما هو مشاهد في الدول التي لا تطبق عقوبة الإعدام، وإن عظمت الجناية، فصارت المسألة من باب: دفع المفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى، وذلك، لعمر الله، هو الفقه، كل الفقه، إذ ليس الفقيه من يعلم المصلحة من المفسدة، فذلك أمر يدركه آحاد المكلفين، وإنما الفقيه من يعلم أعظم المصلحتين فيقدمها عند تعارضهما واستحالة الجمع بينهما، ويعلم أعظم المفسدتين فيدفع العظمى بالصغرى عند استحالة دفعهما معا.
وقد يقال بأن المسألة من باب: تعارض مفسدة إتلاف نفس القاتل مع مصلحة حفظ نفوس المكلفين، فتقدم المصلحة لعظمها، إذ حفظ أرواح الأبرياء أعظم من حفظ روح من أباح دمه بيده لما استخف بحكم الله، عز وجل، في الدماء، فأراق الدم الحرام.
وفي تقديم ما حقه التأخير: "لكم في القصاص": إشعار بالقصر والتوكيد.
وقد يقال بأن تنكير المبتدا المؤخر: "حياة": للتعظيم، إذ المعنى: ولكم في القصاص حياة، أي حياة، يا أولي الألباب، إذ تحقن به دماء كثير منكم بردع القتلة عن سفكها.
وفي النداء بـ: "يَا" أُولِي الْأَلْبَابِ: بيان لعظم منزلة المخاطِب، إذ ينادي على عباده بـ: "يا"، التي تفيد نداء البعيد، فهو العلي فوق خلقه ذاتا وصفاتا، ولازم العلو المطلق بعده عنهم، فلا يحل في شيء منهم، ولا يتحد بذواتهم، وإن كانت أشرف الذوات: ذوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وفيه أيضا: استرعاء لانتباه المخاطَب، لعله غافل لا ينتبه إلا إذا نبه.
وتعليق النداء بـ "أولي الألباب": إلهاب للمخاطبين على الامتثال، إذ لا يمتثل بأحكام الشرع المطهر، إلا من اتصف بالحكمة ورجحان العقل.
و: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" " بيان لعلة القصاص، إذ به يتقى الشر في الدنيا بزجر القتلة عن غيهم، وفي الآخرة، فهو رادع عن المصيبة في حق من لم يقع في تلك الكبيرة، كفارة للقاتل، إن لم يستحل إراقة دما المسلمين.
والله أعلى وأعلم.
ـ[رسالة]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 03:04 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كالعادة في أعضاء الفصيح الجميل.
أحسنتما البيان والإفادة، وجزاكما الله خيرا، وفتح عليكما.
ـ[سما الإسلام]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 11:13 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخي الكريم محمد سعد
أخي الكريم مهاجر
بارك الله فيكما على هذه الإفادة العظيمة
و ما أكثر ما يحتوي قرآننا من إبداعات بلاغية
فسبحان من أنزله و أحكم آياته
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 11:15 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أخي مُحمد سعد
أخي مُهاجر
بوركَ فيكما
وطبتما على هذا
البيان البليغ
حفظكما الله وكل أهل الفصيح
¥