[التلوين الصوتي بالعدول في النص القرآني]
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 04:38 م]ـ
[التلوين الصوتي بالعدول في النص القرآني]
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
تتعدد المصطلحات البلاغية الدالة على كسر النسق التعبيري، ومخالفة السياق الكلامي إلى نسق آخر رغبة في قصدية ما. فالموروث البلاغي يحوي طائفة من المصطلحات الدالة على هذا الشكل من التعبير، مثلما نجد في سياقات المصطلحات الآتية مثل: (الصّرْف) و (العُدول) و (الانصراف) و (التَّلَوُّن) و (مخالفة مقتضى الظاهر) و (شجاعة العربية) (). وهي تشترك جميعاً في التحول أو الانحراف عن المألوف من أنساق التعبير، وهذا التحول في خالص أمره ظاهرة أسلوبية تحقق مبدأي الانزياح والاختيار، وكسر أفق التوقعات المعتادة ().
وأهل البلاغة رغم إيمانهم بوجود مستويين من مستويات التعبير لأي نمط إبداعي يتمثلان في؛ المستوى الأصلي (المثالي) أو ما يطلق عليه حديثاً (البنية العميقة Deep structure) ، والمستوى السطحي (الفني) أو ما يطلق عليه (البنية السطحية Surface Structure ) ، إلا أنهم لا يعطون البنية المثالية أي أهمية إلا من حيث كونها نقطة انطلاق لدراساتهم التحليلية لتحولات البنية في الأشكال البلاغية عن القواعد المثالية إلى الصورة العدولية، فتصبح القاعدة المثالية اصل محايد يبرز جماليات الشكل البلاغي، ويوّجه مرتكزاته السياقية والدلالية في إطار خطابه للمتلقي حين يستحضر الأصل المثالي ويقارنه بالناتج الصياغي النهائي ().
يقول ابن أبي الإصبع: " العرب متى أرادت المبالغة التامة في شيء، قلبت الكلام فيه عن وجهه، ليتنبه السامع عندما يرد على سمعه كلام قد خولف فيه عادة أهل اللسان، إلى أن هذا إنما ورد لفائدة، فينتظر فيرى حصول زيادة الكلام مبالغة، ولو لم يقلب لم تحصل " ().
ويمدح ابن الأثير مثل هذا الانزياح التعبيري للصيغ في العربية، ويجعله أمارة دالة على مدى بلاغة المبدِع، وثراء اللغة، لأن هذا الانزياح يكسب النص جمالاً فنياً ينبع من غموض المعنى الذي هو لبّ الفن والأدب. يقول ابن الأثير: " اعلم أيها المتوشح لمعرفة علم البيان أن العدول عن صيغة من الألفاظ إلى صيغة أخرى، لا يكون إلا لنوع خصوصيته اقتضت ذلك. وهو لا يتوخاه في كلامه إلا العارف برموز الفصاحة والبلاغة، الذي اطلع على أسرارها، وفتّش عن دفائنها. ولا تجد ذلك في كلام فإنه من أشكل ضروب علم البيان، وأدقها فهماً، وأغمضها طريقاً " ().
وهذا العدول الجمالي لون من فنيات التلوين الصوتي والدلالي في اللغة، بل هو أعلاها جمالية، وأسماها نصية. يقول الإمام عبد القاهر: " إن صور المعاني لا تتغير بنقلها من لفظ إلى لفظ، حتى يكون هناك اتساع ومجاز، وحتى لا يراد من الألفاظ ظواهر ما وُضِعت له ف اللغة، ولكن يشار بمعانيها إلى معانٍ أخر " ().
وبمعاودة النظر في القرآن الكريم لوحظ توظيف القرآن الكريم لألوان متنوعة من العدول في سياقاته، تكتسب هذه الألوان الكثير من الجماليات في هذه السياقات القرآنية، مما يوجب علينا أن نتعرض لمثل هذه التلوينات من العدول في هذه السياقات، ومحاولة تثوير الدلالات فيها، والغوص على نصيات المقام في مراميها، رغبة في استكناه هذا اللون من الإعجاز التوظيفي للنص القرآني.
ا – العدول عن نظائر المفردة:
لا شك أن ألفاظ القرآن الكريم تمكن في أماكنها، ولا يمكن أن يحل محلّ أي لفظ في القرآن غيره، غذ هو الذي يراد هنا لا غيره. واختيار اللفظ القرآني يخضع - كما قلنا من قبل – لمحددات عديدة، كما يخضع لسياق السورة التي ورد فيها، و روحها، ويخضع للسياق النصي القريب والبعيد، ويخضع للتناسب الدلالي، والتناسق التعبيري.
والنص القرآني حين اختار المفردة إنما انتقاها من بين نظائرها المتعددة التي تؤدي معناها، بل عن بعضها يزيد عن معناها في غير القرآن الكريم. لكن التوظيف القرآني لهذه المفردة دون نظائرها أمر مقصود ومراد، لا يُنْظَر إليه في وضعها المفرد، بل لا بد من الإحاطة بالصورة الكلية التي وظفت المفردة في إطارها.
¥