تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 04 - 2008, 09:18 ص]ـ

في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

"إنما": أداة حصر، وإنما يصح الحصر بتقدير أقرب المجازين: الصحة أو الكمال، لأن الوجود الحسي قد يحصل بلا استحضار نية، كمن أكل أو شرب أو قضى الدين أو .......... إلخ عادة، فإن عمله مجزئ، وإن فاته الثواب من جهة استحضار نية: حفظ النفس بالغذاء، وحفظ حقوق الناس بأدائها ......... إلخ، فالحصر هنا: إضافي، لوقوع كثير من الأعمال لاسيما العادات والمعاملات بلا نية فيكون لها وجود حسي، كما تقدم، بلا ثواب، بل قد تقع العبادة، والنية فيها شرط أو ركن على خلاف بين أهل العلم، حسا، ولا اعتبار لها شرعا، من جهة فساد النية أو اختلال شرط أو ركن ........ إلخ، وإن كان وقوع العبادة تامة الشروط والأركان مجزئا من جهة سقوط تعلقها بذمة المكلف، فلا يطالب بها مرة أخرى، كمن أخذت منه الزكاة قهرا، فإنها تجزئه في أحكام الدنيا، وإن بقي الوعيد متعلقا بإثم منعها، فهو تحت مشيئة الله، عز وجل، إن شاء عفى عنه، وإن شاء عذبه.

ودليل الحصر هنا أن: إنما الأعمال بالنيات تكافئ: لا عمل إلا بنية، كما أشار إلى ذلك الحافظ، رحمه الله، بقوله: "وَقَدْ وَقَعَ اِسْتِعْمَال إِنَّمَا مَوْضِع اِسْتِعْمَال النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وَكَقَوْلِهِ: (وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وَقَوْله: (إِنَّمَا عَلَى رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبِين) وَقَوْله: (مَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ) وَمِنْ شَوَاهِده قَوْل الْأَعْشَى:

وَلَسْت بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ******* وَإِنَّمَا الْعِزَّة لِلْكَاثِرِ.

يَعْنِي مَا ثَبَتَتْ الْعِزَّة إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَكْثَر حَصًى، (أي: ما العزة إلا للكاثر) ". اهـ

بتصرف من: "فتح الباري"، (1/ 18، 19).

فالحصر بـ: "إنما" يشبه الحصر بالنفي والاستثناء من جهة: أصل المعنى، ويفارقه من جهة: فرعه، فدلالة النفي والإثبات على الحصر أقوى من دلالة إنما، فصار الأول أبلغ في خطاب المنكر، والثاني أبلغ في خطاب خالي الذهن أو المتردد فهو لا يحتاج إلى مزيد توكيد، على ما قرر البلاغيون.

ولا يخلو لفظ: "إنما" من معنى المبالغة والتأكيد حيث وقع، كما أشار إلى ذلك ابن عطية، رحمه الله، بخلاف الحصر فهو من معانيه الثانوية التي يدل عليها السياق، فإن كان حاصرا: حصرا حقيقيا أو إضافيا، فهو تبع له، وإن كان غير حاصر، فإنه لا يدل بأصل وضعه إلا على التأكيد، فلا يصار إلى الزيادة في معنى اللفظ بلا زيادة في مبنى السياق تدل عليها.

وقد قدر الجمهور المجاز القريب: وهو الصحة، وقدر أبو حنيفة، رحمه الله، المجاز البعيد: وهو الكمال، ورجح رأي الجمهور أن: حمل الكلام على المجاز القريب متى تعذر حمله على الحقيقة أولى من حمله على المجاز البعيد.

قوله: (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى):

إما أن يقال بأنه مؤكد لما قبله، فيكون متعلقا بالعمل، أو أنه مؤسس لمعنى جديد متعلق بالعامل، والثاني أقرب من جهة: أن حمل الكلام على التأسيس أولى من حمله على التوكيد إذا احتملهما السياق، لأن التأسيس منشئ لخبر ثان، ففيه من الفائدة ما ليس في توكيد خبر أول.

وفي هذا السياق حصر من جهتين:

من جهة "إنما" على التفصيل السابق.

ومن جهة: تقديم ما حقه التأخير في: لكل امرئ ما نوى، فتقديم الجار والمجرور: "لكل" مشعر بالحصر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير