من قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ....... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:21 ص]ـ
من قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)
روحا: منكرة للتعظيم، فهو روح، أي روح، فهو للقلوب بمنزلةِ الروحِ للأبدانِ حيثُ يُحيَيها حياةً أبديةً، كما يقول أبو السعود رحمه الله.
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان: تنويه بمنة الله، عز وجل، على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصلا، وعلى أمته من بعده فرعا.
نورا: تنكير آخر للتعظيم، فهو نور، أي نور، ينير دروب السالكين سبل السلام إلى ربهم عز وجل.
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا: هداية توفيق وإلهام، فليست إلا للباري، عز وجل، يهدي من يشاء فضلا، ويضل من يشاء عدلا، يرجح ذلك ذكر معمول الهداية: "من نشاء من عبادنا"، والعبودية مظنة الانقياد إلى أمر الله، عز وجل، الشرعي، ولا يكون ذلك إلا لمن هُدِيَ سبيل الرشاد، فهم عباد بمعنى: عابدون منقادون لشرع معبودهم، لا عباد بمعنى مذللون لأمره الكوني، فهذه عبودية يستوي فيها المؤمن والكافر، فلا خروج لذرة من ذرات الكون عن أمر الله، عز وجل، الكوني.
ولا مانع من الجمع بين معنيي الهداية، فكلاهما ثابت لله، عز وجل، فيكون هذا الوحي:
هاديا هداية دلالة وإرشاد لكل البشر ففيه من الأخبار والأحكام ما يصلح أمر المعاش والمعاد، ولا يلزم من هذه الهداية: استجابة المدعو، فكم من ضال عرف الحق فلم يقبله، فصار الوحي حجة عليه لا له، ولا يظلم ربك أحدا.
وفي التنزيل: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)، فقد أضله الله، عز وجل، بعدما بلغته الحجة، فهو مستحق لذلك جزاء وفاقا.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وقوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} يحتمل قولين:
أحدها: وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك.
والآخر: وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه، وقيام الحجة عليه. والثاني يستلزم الأول، ولا ينعكس". اهـ
وهاديا هداية توفيق وإلهام لمن أكرمه الله، عز وجل، بالاستجابة إلى أمره الشرعي، فعرف الحق بدليله، وانقاد له باطنا وظاهرا، وتلك أعظم منة، وأجل نعمة، فبها يستقيم أمر العبد حالا ومآلا.
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ: هداية دلالة وإرشاد لا غير، فهذه وظيفة الرسل، عليهم الصلاة والسلام، ومن سار على دربهم من الدعاة إلى الله، عز وجل، فليس لهم إلا إبلاغ الرسالة، ونصح العباد، والله يهدي من يشاء إلى الاستجابة لداعي الحق، وفي التنزيل:
(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
و: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
فزال بذلك الإشكال في إثبات الهداية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تارة، ونفيها عنه تارة أخرى، فالمثبتة: هداية الدلالة والإرشاد، والمنفية: دلالة التوفيق والإلهام، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير من بلغ عن ربه: فهو أعلم الدعاة إلى الحق، وأنصحهم للخلق، وأبلغهم في اللفظ، فاجتمع فيه: تمام العلم والإخلاص والفصاحة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي الآية: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) من التوكيد:
¥