تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من آية الكرسي]

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 04 - 2008, 10:03 ص]ـ

من قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)

قوله تعالى: (الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ):

حصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء، فخبر: "لا" محذوف تقديره: بحق، و الضمير: "هو" بدل من الضمير المستكن في الخبر، فإن قيل: هو اسم جامد، فالجواب: أنه يتحمل الضمير من جهة كونه مؤولا بالمشتق، فتقدير الكلام: لا إله مستحق للعبادة إلا هو، فـ: "مستحق": اسم فاعل، وهو: اسم وصف يتحمل الضمير، وإن كان تحمله أضعف من تحمل الفعل، لأنه فرع عليه، بدليل أنه لا يتغير مع المتكلم أو المخاطب أو الغائب، فضمير اسم الوصف: "كريم" في قولك: أنا كريم، و: أنت كريم، و: هو كريم تقديره واحد: "هو"، بخلاف: أشرب الماء فتقديره: "أنا"، و تشرب الماء فتقديره: "أنت"، و: يشرب الماء فتقديره: "هو"، وقد تقرر أن الفرع أضعف من الأصل في العمل.

قوله تعالى: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ):

"أل": جنسية تستغرق جنس ما دخلت عليه، فله من الحياة أكملها، حياة: أزلية أبدية لا يعتريها نقص من نصب أو مرض أو موت، وله من القيومية أكملها، فهو القائم بنفسه، المقيم لغيره، القائم عليه إيجادا وإعدادا وإمدادا وإحصاء، فيخلق من عدم، وييسر إلى: يسرى منجية أو عسرى مهلكة، ويرزق ويحصي الأقوال والأعمال، فمن وجد خيرا فليحمد الله، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه.

يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:

"فالْحَيُّ الَّذِي الْحَيَاةُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهَا، هُوَ الَّذِي وَهَبَ الْمَخْلُوقَ تِلْكَ الْحَيَاةَ الدَّائِمَةَ، فَهِيَ دَائِمَةٌ بِإِدَامَةِ اللَّهِ لَهَا، لَا أَنَّ الدَّوَامَ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهَا لِذَاتِهَا، بِخِلَافِ حَيَاةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ سَائِرُ صِفَاتِهِ، فَصِفَاتُ الْخَالِقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَصِفَاتُ الْمَخْلُوقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، (فالله عز وجل: الحي بنفسه المحيي لغيره) ................... فَعَلَى هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مَدَارُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى كُلِّهَا، وَإِلَيْهِمَا تَرْجِعُ مَعَانِيهَا. فَإِنَّ الْحَيَاةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، ولَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا صِفَةٌ مِنْهَا إِلَّا لِضَعْفِ الْحَيَاةِ، فَإِذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ - تَعَالَى - أَكْمَلَ حَيَاةٍ وَأَتَمَّهَا، اسْتَلْزَمَ إِثْبَاتُهَا إِثْبَاتَ كُلِّ كَمَالٍ يُضَادُّ نَفْيُهُ كَمَالَ الْحَيَاةِ. وَأَمَّا " الْقَيُّومُ " فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ كَمَالَ غِنَاهُ وَكَمَالَ قُدْرَتِهِ، فَإِنَّهُ الْقويمُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ، فَلَا قِيَامَ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِإِقَامَتِهِ. فَانْتَظَمَ هَذَانِ الِاسْمَانِ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَتَمَّ انْتِظَامٍ". اهـ بتصرف.

قوله تعالى: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ):سنة و نوم: نكرتان في سياق النفي فتفيدان: العموم، فلا تأخذه أي سنة أو نوم، وترتيب: السنة فالنوم، إنما هو لمراعاة الترتيب الوجودي، فوجود السنة متقدم على وجود النوم.

يقول أبو السعود رحمه الله: "فلا سبيلَ إلى حمل النظم الكريمِ على طريقة المبالغةِ والترقي بناءً على أن القادرَ على دفع السِنة قد لا يقدرُ على دفع النوم القويِّ كما في قولك: فلانٌ يقِظٌ لا تغلِبُه سِنةٌ ولا نوم وإنما تأخيرُ النوم للمحافظة على ترتيب الوجودِ الخارجي، وتوسيطُ كلمةِ لا للتنصيص على شمول النفي لكلَ منهما كما في قوله عز وجل: {وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً} ". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير