تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أدب الأنبياء في الخطاب مع الله]

ـ[ابنُ الربيعِ الحلبيّ]ــــــــ[08 - 06 - 2008, 09:16 ص]ـ

السلام عليكم أحبّتي في الله

إنّ الناظر في خطاب الأنبياء عليهم سلام الله يلحظ استعمالهم لفظة (ربّ) من ذلك " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) آل عمران , و " قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) المائدة , و " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) الأعراف و " قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) هود , و " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) يوسف .. و غيرها في كثير من سور القرآن و السؤال هنا ما السبب في عدم استبدالهم هذه اللفظة بأحد الأسماء الحسنى كما في قوله تعالى " و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها " 180الأعراف و نحو قوله: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) الإسراء.

و لو علمنا أنّ كلمة (ربّ) من الأصل ربَّ يربّ و معناها في اللسان " وربُّ كلِّ شيءٍ مالِكُه ومُسْتَحِقُّه وقيل صاحبُه ويقال فلانٌ رَبُّ هذا الشيءِ أَي مِلْكُه له وكُلُّ مَنْ مَلَك شيئاً فهو رَبُّه يقال هو رَبُّ الدابةِ ورَبُّ الدارِ وفلانٌ رَبُّ البيتِ وهُنَّ رَبَّاتُ الحِجالِ ويقال رَبٌّ مُشَدَّد ورَبٌ مخفَّف وأَنشد المفضل

وقد عَلِمَ الأَقْوالُ أَنْ ليسَ فوقَه ... رَبٌ غيرُ مَنْ يُعْطِي الحُظوظَ ويَرْزُقُ

وفي حديث أَشراط الساعة وأَن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّها أَو رَبَّتَها قال الرَّبُّ يُطْلَق في اللغة على المالكِ والسَّيِّدِ والمُدَبِّر والمُرَبِّي والقَيِّمِ والمُنْعِمِ قال ولا يُطلَق غيرَ مُضافٍ إِلاّ على اللّه عزّ وجلّ وإِذا أُطْلِق على غيرِه أُضِيفَ فقيلَ ربُّ كذا قال وقد جاءَ في الشِّعْر مُطْلَقاً على غيرِ اللّه تعالى وليس بالكثيرِ ولم يُذْكَر في غير الشِّعْر ... والعرب تقول لأَنْ يَرُبَّنِي فلان أَحَبُّ إِليَّ من أَنْ يَرُبَّنِي فلان يعني أَن يكونَ رَبّاً فَوْقِي وسَيِّداً يَمْلِكُنِي وروي هذا عن صَفْوانَ بنِ أُمَيَّةَ أَنه قال يومَ حُنَيْنٍ عند الجَوْلةِ التي كانت من المسلمين فقال أَبو سفيانَ غَلَبَتْ واللّهِ هَوازِنُ فأَجابه صفوانُ وقال بِفِيكَ الكِثْكِثُ لأَنْ يَرُبَّنِي رجلٌ من قريش أَحَبُّ إِليَّ من أَن يَرُبَّني رجلٌ من هَوازِنَ ... ويكون الرَّبُّ المُصْلِحَ رَبَّ الشيءَ إِذا أَصْلَحَه وأَنشد

يَرُبُّ الذي يأْتِي منَ العُرْفِ أَنه ... إِذا سُئِلَ المَعْرُوفَ زادَ وتَمَّما "

أفي ذلك إلماح إلى أنّهم عليهم السلام علموا أنّ كلمة (ربّ) تثبت لله سبحانه الملك و الفضل في نقلهم من الظلام إلى النور و تربيتهم على أفاضل الأعمال و الأخلاق , في حين أنّ لفظ من ألفاظ الجلال لا تثبت ذلك.

أنار الله أبصارنا و بصائرنا و أعاننا على عمل ما يرضيه

ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[08 - 06 - 2008, 07:31 م]ـ

بارك الله فيك أخي الفاضل على هذا الموضوع الرائع ..... و اسمح لي بالإضافة:

و من الصور أيضاً:

تأدب نبي الله موسى - عليه السلام - مع ربه عندما أخبر عن نعم الله عليه فقال: ((الذي يطعمني و يسقين .. ))

فلما أراد الإخبار عن المرض لم يقل: "يمرضني" بل قال: ((و إذا مرضت فهو يشفين)) فلم ينسب المرض إلى الله تأدباً معه - عزّ و جلّ-.

ثم أكمل قائلاً: ((و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)).

و من صور التأدب مع الله -عزّ وجلّ- أيضاً:

ما فعله الخضر عندما أراد أن يخبر موسى -عليه السلام- عن سبب خرق السفينة و قتل الغلام و بناء الجدار ...

فعندما أراد الإخبار عن سبب خرقه للسفينة قال: ((فأردت أن أعيبها)) فنسب العيب إلى نفسه تأدباً مع الله.

و عندما أراد الإخبار عن سبب قتل الغلام قال: ((فأردنا أن يبدلهما ربهما خير منه)) فاستخدم ضمير المتكلمين "نا" و هذا الضمير يعود عليه و على الله - عزّ وجلّ - فكأنه نسب القتل - الذي هو عيب أو نقص - إلى نفسه , و نسب الإبدال -أي رزق الوالدين بغلام خير من غلامهما- إلى الله جلّ في علاه.

و عندما أراد الإخبار عن سبب بناء الجدار قال: ((فأراد ربك)) و ذلك لأنّ الله -عزّ و جلّ- هو الذي سيجعل الغلامين يبلغا أشدهما و يستخرجا كنزهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير