[جماليات الإيقاع في اللغة العربية]
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[22 - 05 - 2008, 10:21 ص]ـ
[جماليات الإيقاع في اللغة العربية]
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
ربما يكون مفهوم الإيقاع من أكثر المفاهيم الشعرية إشكالاً لكونه يتعالق مع مفهوم (الوزن Meter ) عند أهل العروض، خاصة إذا ما نظرنا إلى مفهوم الإيقاع باعتباره نقلة موسيقية حدثت من شعر البحور إلى شعر التفعيلة. كذلك يزيد من إشكالية هذا المفهوم النظر إليه كمصطلح وافد لا علاقة له باللغة العربية مع أن العرب قد ميزوا بين (الإيقاع) و (النظم Verse ) منذ بداية اجتهادات الخليل في هذا المضمار.
ويرى البعض أن الإيقاع " ليس شيئاً آخر سوى نظم التفعيلات في البيت الواحد، أو الانتقال من نظم الأبيات والبحور إلى شعر التفعيلة بما يتيح حرية أوسع في حركة تنظيم التفعيلات " ().
والوزن أو النظم من الناحية التاريخية أكثر التصاقاً بالشعر دون غيره من الفنون. فالوزن هو المقياس الذي: ينظم الخصائص الصوتية في اللغة، ويضبط الإيقاع في النثر، ويقربه من التساوي في الزمان، ومن ثم يبسط الصلة بين أطوال المقاطع الهجائية. كما أنه يبطئ التوقيت، ويطول أحرف المد بغية عرض لون الطبقة الصوتية أو النغمة الممدودة " (). وعلى هذا فإن مفهوم الوزن مهيمن على مفهوم الإيقاع وموجه له، وذلك لكون الوزن واقع في النثر كما هو واقع في الشعر.
ويرى د. كمال أبو ديب أن " للنثر إيقاعه، وبمعنى آخر أنه يقوم على إيقاع الفقرة أو السطر لأنه يستند بقوة إلى الفصل والوصل. فقد كانت مبادئ الفصل والوصل في الشعر الخليلي تقوم على طول التفعيلات وحدودها، وعلى الشطر ثم على السطر، والشطر والسطر محددان بالقافية ونهاية البيت. أما إيقاع النثر فيقوم على فصل ووصل من نمط مختلف ينشئه البعد الدلالي المتعلق بامتداد النفس، والضغط النابع من تموجات التجربة والقراءة، والحركة الداخلية للهجة الشعرية " ().
ويرى كوهن أن الوزن اعتماد تحليلي على توافر عدد معين من المقاطع يتكون منها البيت الشعري. وليست العبرة في هذا السياق عدد هذه المقاطع بل تكرارها في سياق البيت والأبيات اللاحقة، وذلك لأن " ليس عروضياً إلا لكونه متماثل الوزن، وهو ما يتيح له تحقيق تماثل وزني داخلي" (). فحقيقة الوزن هو توالي مقاطع صوتية طويلة وقصيرة على نحو منتظم ومتكرر، يوظف شكل الساكن والمتحرك للقيام بهذا الدور خلوصاً إلى تحديد شكل التفعيلة الصوتية التي يتم النسج على منوالها في سياق البحر الشعري.
والإيقاع بمفهومه العام هو التنظيم أي تنظيم أي شيء في هذه الحياة. أما الإيقاع كمصطلح فني له حدوده وقوانينه في الشعر والنثر معاً فإنه ينطلق من مفهوم العام وهو التنظيم ليمارس مثل هذا الدور في سياق المستويات اللغة، إذ يناط به تنظيمها ليسهل أداء الوظائف المبتغاة من استخدامها. ولأن الشعر جزء من هذه اللغة، فإنه يعد لغة فوق اللغة، بمعنى أنه يُوَظِّف اللغة جمالياً (فنياً) في مفارقة واضحة للمستوى المعياري لهذه اللغة، فلغة الشعر" هي إعادة تنظيم للغة العادية " (). ويتم هذا التنظيم من خلال المستوى الصوتي للغة، والذي يقوم بهذا الدور التنظيمي هو الإيقاع لأنه الميزان الحاكم لهذه العملية. فالإيقاع هو الميزان، والميزان هو الإيقاع، والعلاقة بينهما كعلاقة العين والبصر، وإذا أسندنا إلى الإيقاع وظيفة ما فإنه يصبح ميزاناً ضابطاً لهذه الوظيفة ().
وغالباً ما تكون الوظيفة المنوط بالإيقاع تنظيمها هي تحقيق (الشعرية) للقول الشعري من خلال عناصر التشكيل الشعري (اللغوية، والتقنية، والشكلية). وهذا ما عُرِفَ في العصر الحديث عند جاكوبسن بـ (نحو الشعر) () فلا توجد كلمة في السياق الشعري منفصلة عن موسيقاها أو إيقاعها وذلك لأنها ليست مجرد كلمة، بل هي مجموعة من التراكمات النصية على مستوى النص كله. ولذا فإن الكلمة تكون حاملة لخصائص هذه المستويات النصية، وممثلة لها بما تحمله من خصائص ().
مستويات الإيقاع:
يمكننا أن نصنف مستويات الإيقاع في العربية في ثلاثة مستويات هي:
الأول: ويظهر فيه الإيقاع معتمداً على توزيع المقاطع اللغوية، وعندئذ يسمى الإيقاع الكمي ().
¥